العدد 1521 /27-7-2022
أيمن حجازي


تدنو الإستحقاقات وتضيق المهل وتتراجع الإمكانات المتاحة لتشكيل حكومة ما بعد الإنتخابات النيابية الموقرة ، والتعقيدات السياسية على حالها في بلاد الأرز، دون ان تبرز أي بارقة أمل بتعقل ما أو هدوء مفترض يصيب أرباب اللعبة السياسية اللبنانية . وعلى الرغم من أن نقاط الخلاف المعلنة معروفة ومكررة يصيبها الإجترار المسائي والصباحي لأجهزة الإعلام والسياسة ، فإن المضمر يتمحور حول الإستحقاق الرئاسي ومساراته المتعددة التي يمكن أن يسلكها إبتداء من الحادي والثلاثين من آب حتى الحادي والثلاثين من تشرين الأول، وهي المدة الدستورية المحددة لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد إنتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال عون .

لقد اعتاد اللبنانيون طوال الفترة التي تلت إنحسار النفوذ السياسي السوري من لبنان في عام ٢٠٠٥ ، على لجوء القوى السياسية الفاعلة الى التحكم باللعبة الإنتخابية من خلال نصاب الثلثين الذي يستحيل نيله إلا من خلال توافق يعمّ معظم القوى السياسية في البلاد ، وهو ما حصل في أيار من عام ٢٠٠٨ وقاد الى وصول العماد ميشال سليمان الى سدة الرئاسة الأولى ، وهو أيضا ما حصل في صيف عام ٢٠١٦ من خلال ما سمي بالتسوية الرئاسية التي أعادت العماد ميشال عون الى قصر بعبدا بصفته رئيسا للجمهورية ، وهذا ما يمكن توصيفه بامتلاك حق الفيتو من قبل أي أقلية سياسية أو نيابية ستعرقل إنعقاد جلسة الإنتخابات الرئاسية في حال فقدت التسوية المنشودة بين الفرقاء المتصارعين على اختيار إسم محدد لرئاسة الجمهورية . صحيح أن تسوية عام ٢٠٠٨ قد جمعت الغالبية العظمى من القوى السياسية اللبنانية ، ولكن تسوية ٢٠١٦ أبقت الرئيس نبيه بري والنائب السابق سليمان فرنجية والنائب السابق وليد جنبلاط خارجها أو هم أصروا على البقاء خارجها بعدما انخرط فيها التيار الوطني الحر وحزب الله وتيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية وآخرين .

لم يعتد اللبنانيون على إنتاج تسوياتهم السياسية منفردين بمعزل عن التدخل الخارجي أو المساهمة الخارجية في ولادة أية تسوية كبرى، وهذا أمر حاصل إبتداء من تسوية ١٩٤٣ ، مرورا بتسوية عام ١٩٥٨ التي كانت تسوية أميريكية - مصرية ناصرية جاءت بالجنرال فؤاد شهاب الى سدة الرئاسة الأولى ، ووصولا الى إتفاق الطائف (١٩٨٩) وإنتهاء بتسوية الدوحة (٢٠٠٨) . ففي عام ١٩٤٣ كان الراعي البريطاني حاضرا بقوة وإن كانت مشهدية هذا التدخل ذات بعد وطني إستقلالي ترجم بالضغط البريطاني على فرنسا المحتلة عاصمتها من قبل الألمان ، وعلى مقاومتها الوطنية بقيادة الجنرال شارل ديغول اللاجئة لجوءاً سياسيا الى لندن . وفي عام١٩٨٩ كانت الرعاية العربية والدولية واضحة المعالم وكان الثلاثي الأمريكي - السعودي - السوري هو المتنفذ في تسوية الطائف التي اتشحت بوشاح محلي لبناني اسمه الشيخ رفيق الحريري، الذي سيوكل اليه لاحقا ادارة الشأن الإقتصادي - الإجتماعي - الإنمائي من خلال رئاسة الحكومة دون مفاعيل الأمن والعسكر والسياسة الخارجية التي باتت آنذاك بالعهدة السورية المباشرة . لقد عاشت هذه التسوية حتى تاريخ ١٤ شباط ٢٠٠٥ حيث بدأ مخاض عسير انتهى في أيار ٢٠٠٨ في العاصمة القطرية الدوحة ... ولكن هذه التسوية سقطت وسقط معها السين سين في الشهر الأول من عام ٢٠١١ .

إن مسلسل التسويات السياسية يكاد يكون مرافقا للكيان اللبناني الذي يقال انه نتاج تسوية دولية تلت الحرب العالمية الأولى . وحيث يعتقد البعض أن هذه التسوية باتت مهترئة وآيلة للسقوط الشامل ، وأن التسوية المنشودة باتت مستحيلة ، حيث يحلم البعض بتركيبة فيدرالية يفرضها مؤتمر دولي يحث الخطى اليه البطريرك الماروني بشارة الراعي كي يصحح الخطأ الذي ارتكبه سلفه البطريرك الحويك في ١٩١٩ حين شد الرحال الى باريس طالبا توسيع الرقعة اللبنانية وضم الأقضية الى جبل لبنان . كم هم فاعلون بطاركة لبنان الموارنة ، فواحدهم منذ أكثر من قرن من الزمن سعى الى قيام لبنان الكبير وهاهو بطريرك آخر يسعى هذه الأيام الى " فرساي " جديد يقرر مصير الوطن بعيدا عن رأي وموقف أكثرية أبنائه . إن الكبار عندما يلتقون تكون الأولوية لمصالحهم الخبيثة الجشعة حيث لا مكان لمصالح الشعوب أو الطوائف او المذاهب والفقراء والمساكين والكادحين و ... و.

ايمن حجازي