العدد 1484 /27-10-2021

مرة جديدة يثبت البطريرك الماروني بشارة الراعي أنه الأكثر حيوية وفاعلية وشبابا بين المرجعيات الدينية اللبنانية من خلال ما شهدته الساحة السياسية اللبنانية من تحرك بطريركي شمل المقرات الرئاسية الثلاث في بعبدا وعين التينة والسراي الكبير . ومرة جديدة يثبت الراعي أنه قريب جدا من الهواجس السارية المفعول في الشارع المسيحي وهو يحترمها ولا يخجل من المجاهرة بها حتى لو أظهرته متابعا لتفاصيل لا تعتني بها عادة المرجعيات الدينية الرسمية .

وكانت حادثة الطيونة التي وقعت قبل أسبوعين محط اهتمام بالغ من بكركي وخاصة في جزئها الأخير المتعلق بإستدعاء القضاء العسكري لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للمثول أمامه والإدلاء بشهادته المتعلقة بدور حزب القوات في يوم الخميس الأسود وما سبقه من ليال وأيام . وهذا ما استدعى استنفارا وتعبئة عامة لدى الكردينال الراعي الذي كان قد اجتمع الى قائد الجيش اللبناني قبل أن يجول على الرئاسات اللبنانية الثلاث طارحا ما سمي بتسوية دستورية لمعضلتي التحقيق في انفجار المرفأ وحادثة الطيونة الشهيرة . فبكركي مرجعية دينية لا تقبل بإستباحة الساسة المسيحيين ، وهي كما وقفت في عام ٢٠٠٥ أيام البطريرك نصرالله صفير ضد إسقاط الرئيس إميل لحود في الشارع ، لا ترضى بالمساس برئيس حزب القوات اللبنانية رئيس ثاني أكبر الكتل النيابية المسيحية في البرلمان اللبناني . علما أن الإدغام بين قضيتي المرفأ والطيونة يوحي بوجود مقايضة ما بين الموضوعين وهو ما ترفضه العديد من الجهات الرسمية والدينية االلبنانية المختلفة . وبصراحة مطلقة أكد البطريرك ان الرئاسات الثلاثة قد وافقت على طرحه في هذا الموضوع . وبات اللبنانيون على أحر من الجمر كي يطلعوا على تفاصيل هذا الطرح التوسطي المميز في إنطلاقته من المرجعية الدينية المارونية في هذا الوقت بالذات . وكأن بكركي تعتني بالتفاصيل السياسية اللبنانية التي تلامس الهيبة العامة لبعض الطوائف من خلال زعاماتها السياسية المتنوعة في الخيارات والتحالفات السياسية .

إن نجاح بكركي في حل هذه المعضلة الشائكة التي عجز عن حلها الوسطاء اللبنانيون ، فرضية راجحة في هذه الآونة السياسية المعقدة التي احتدمت فيها العلاقات بين الأفرقاء . وهي سابقة تعزز دور بكركي المندفعة نحو أدوار مشرقية أبعد من الحدود اللبنانية . وفي لحظة سياسية تنمو فيها الهواجس المسيحية التي يعمل على إشاعتها والترويج لها جمع من النهب السياسية والكنسية والثقافية المختلفة . وحيث يتوجب على بكركي مراعاة التوازن الواجب بين التعبير عن هذه الهواجس وبين التمسك بأهداب الوحدة الوطنية والعيش المشترك .

لا مفر ولا مناص ولا بد ، من استكمال دور بكركي في سد الفراغ السياسي المسيحي الذي بدأ مع نهاية الحرب اللبنانية عندما توزع القادة المسيحيين بين سجين ومنفي ومهاجر ما دفع بالبطريرك صفير الى إقتحام الساحة السياسية من خلال طروحات وعظات وبيانات ومؤتمرات ورحلات خارجية مهدت الطريق أمام ولادة ميزان قوى جديد للمسيحيين فيه وزن أكبر . ما أدى الى زوال ما سمي إضمحلالا مسيحيا إبان فترة النفوذ السوري المباشر بين عامي ١٩٩٠ و٢٠٠٥ . وللبطريرك الراعي وإندفاعه البين دور إضافي في تأمين مزيد من الحضور السياسي لبكركي على شاكلة ما انجزه الراعي في جولته الرئاسية المنافحة عن رئيس حزب القوات اللبنانية الذي كان من المفترض أن يمثل أمام التحقيق العسكري في قضية الطيونة.

أجارنا الله من كل "الطيونات" الكامنة ، التي تسفك الدماء وتهدد الوطن وتفتح الباب واسعا أمام الخيارات الحربية السيئة التي دفعتنا أثمانا باهظة ... لا يزال البعض يرغب بتدفعينا إياها من جديد .

أيمن حجازي