حازم عياد

لم تنقل السفارة الأمريكية الى القدس بعد، وما زال هناك فسحة من الوقت لوقف الجهود التي يبذلها اليمين الأمريكي والكيان الإسرائيلي لتنفيذ هذه الخطوة المتطرفة والمستهترة؛ اذ انها خطوة تكتيكية خالية من الرؤية الاستراتيجية، ومؤشر على ازمة أمريكا بتأثير من العامل الانتخابي، فالخطوة بما لها من دلالات تكتيكية امتداد للحملات الانتخابية وتكتيكاتها الضحلة كتكتيك قانون جاستا والاتفاق النووي والموقف من تركيا بشكل أربك الاستراتيجية الأمريكية الدولية.
خطوة صغيرة للولايات المتحدة، إلا أن تأثيرها سيكون عظيماً في العالم الإسلامي والعربي وعلاقته بالإدارة الأمريكية اليمينة، المترافق مع تراجع مطّرد وواضح في نفوذها لصالح قوى دولية صاعدة كالصين أو طامحة كروسيا.
نقل السفارة الى القدس سيرفع بشكل مؤكد مستوى التوتر في المنطقة، مفاقماً أزمة الخطاب السياسي الرسمي في العالم العربي والإسلامي، مغذياً العداوة للغرب بشكل يفوق زلالزال الاتفاق النووي المترنح، وقانون جاستا والمحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا. ذلك ان الخطوة لا تمس السياسة العربية الرسمية، بل قناعات الشعوب العربية والاسلامية تجاه الغرب وسياساته المتبعة في الاقليم ، بشكل يفاقم أزمة النفوذ الامريكي المتآكل والمترنح.
الخطوة التي يتم التحضير لها من قبل مستشاري ترامب ضعيفي الخبرة، وبمباركته تأتي في ظرف اقليمي ودولي مضطرب يراه البعض الأنسب لتمرير القرار، غير ان الحقائق تشير الى ان هذا النصر ما هو الا خطوة جديدة لتقويض النفوذ والاستراتيجية الامريكية التي تعاني من تراكم الاخطاء، ونقص في عناصر النفوذ والتأثير، فأمريكا لم تخسر نفوذها في سوريا والعراق الا نتيجة لهذه السياسات الاستعراضية والتكتيكات الانتخابية الخرقاء، عاكسة الانقسام الحاصل في الساحة الامريكية.
الا ان الاحتفال لن يطول؛ اذ سيمر كلمح البصر لتصطدم الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني بالحقائق القائمة على الأرض في فلسطين والعالم العربي والاسلامي، فعلى الرغم من التطور الحاصل في علاقات الكيان مع بعض الدول العربية، تطور وتقدم يبشر ويحتفي به نتن ياهو بين الحين والآخر، سيتحول الى كابوس يقض مضاجع الإقليم بأكمله؛ بسبب الارتدادات السلبية لهذه الخطوة، بدءاً من الأراضي الفلسطينية، وليس انتهاء في العالم العربي والإسلامي.
القدس تفوق في اهميتها قانون «جاستا»، أو الاتفاق النووي الأمريكي، أو السياسة الأمريكية المتبعة في العراق والموصل، او الحرب على الإرهاب على مدى العشرين عاماً الماضية التي أعاقت تطور الإقليم، وتسببت في تدهور أمنه واستقراره، فالصدام والتوتر الذي ستزرعه في الشارع العربي والإسلامي سيمثل قوة ضاغطة اضافية تدفع الدول العربية الى البحث عن توازنات جديدة تبرر لها سياساتها المستقبلية التي لم تعد تجد في السياسة الأمريكية ما يسعفها لتفسير تحالفها معها والتصاقها باستراتيجيتها المضطربة والغامضة، فالقدس نقطة حرجة، وأزمة عالقة ستضع النفوذ الأمريكي على المحك، وهو اختبار لن تنجح فيه أمريكا على الأرجح، مهما بلغت ثقتها بقوتها ونفوذها المتآكل.