العدد 1535 /2-11-2022

للشيخ عصام تليمة

هناك ملحوظة لا تحتاج إلى طول تأمل في خطابات السيسي، ولا تحتاج إلى طول عناء في الإثبات، وهي كثرة الحلف، الذي لا يخلو خطاب له دون قسم بالله ثلاثا، وهي ظاهرة تستحق التوقف، فلا نعلم سياسيا على جميع الأصعدة المختلفة، أو التاريخ الإنساني والإسلامي، لا يخلو خطاب له من القسم بالله، رغم معرفة معظم السامعين باليقين في كذبه فيما يتكلم، فضلا عن أنه يجمع مع الكذب والافتراء، بالتجرؤ على الله بالقسم به كذبا.

لو رحنا نحصي كم مرة أقسم حاكم عربي أو مسلم، أو أوروبي، ستجد فقط قسمه عند تولي الحكم، بالحفاظ على الدستور والقانون، ويندر أن تجد قسما لأحدهم في خطاب رسمي، أو خاص، إلا لو كان مطلوبا لشهادة في المحكمة، كما رأينا ذلك من الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك، بعد عزله، وقد ذهب للمحكمة ليشهد.

لكن السيسي يمثل حالة فريدة في تلازم القسم بالله لخطاباته، فكم من قسم أقسمه في حديثه، ويعلم كل سامع له يقين كذبه، ومن أيمانه الكاذبه مثل: لا والله ما حكم عسكر، والله ما لنا طمع ولا إرادة في حكم مصر، والله والله والله الدنيا زي الفل، أقسم بالله ما قلت كذبا قط، والله والله والله خيرت الشاطر ظل يهددني (45) دقيقة، والله والله والله أنا قعدت عشر سنين ثلاجتي ليس فيها إلا الماء، ولم يسمع لي أحد صوتا، وقسمه على أحقية السعودية بتيران وصنافير، وقسمه لو أن الناس رفضته سيرحل بعد ثانية واحدة، إلى آخر أيمانه التي صارت متلازمة له في كلامه وحديثه.

حتى استحق السيسي بجدارة ما قال عنه القرآن الكريم: (ولا تطع كل حلاف مهين) القلم: 10، وحتى لا يدفعن أحد الكلام بأنه يقسم كثيرا ليدلل على صدقه، فحتى هذه منهي عنها شرعا، فالله عز وجل يقول: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم) البقرة: 224، والمتأمل لكلام المفسرين والفقهاء في الآية، يتضح له أن الإنسان الصادق لا يحتاج للحلف، ولو أنه حلف من باب البر والتقوى والإصلاح بين الناس، فليس ذلك مطلوبا منه، بل أمر يرفضه الشرع.

ومن يرجع لكلام المفسرين لقوله تعالى: (ولا تطع كل حلاف مهين) القلم: 10، يشعر وكأنهم يصفون السيسي وأمثاله بدقة، فالإمام الجصاص الحنفي يقول في تفسيرها: (قيل من يحلف بالله كاذبا، وسماه مهينا لاستجازته الكذب، والحلف عليه، والحلاف اسم لمن أكثر الحلف بحق أو باطل، وقد نهى الله عن ذلك بقوله: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم).

ويقول الدكتور محمد محمود حجازي ـ أحد علماء الأزهر الكبار ـ في تفسير الآية في كتابه: (التفسير الواضح): (ولا تطع كل حلاف كثير الحلف باليمين، فإنه لا يكثر إنسان الحلف إلا إذا كان معتقدا أن مخاطبه لا يصدقه، والشخص الذي بهذا الوصف، لا بد أن يكون كذابا بينه وبين نفسه، وبينه وبين ربه، مهين، أي: ذليل حقير في عقله ورأيه).

ولا يمكن أن يوصف ما يقوم به السيسي من تجرؤ على القسم الكاذب بالله، إلا أنه تجرؤ بوقاحة على حرمات الله، ومن عاد للتسريبات التي كانت تبثها قناة (مكملين)، سيجد معظم التسريبات تخرج وفي الخلفية صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد يتلو القرآن الكريم، وتكون المكالمة لترتيب تزوير أوراق ضد محمد مرسي، أو لترتيب سجنه بالظلم، أو إملاء ما يقوم أعوان الظلمة، وهو ما يذكرنا بما كان يفعله ضباط أمن الدولة في عهد مبارك، فيقوم بتعذيب مواطن، ثم تجده فجأة يتوقف لأنه يريد أن يصلي، ثم يعود لما كان يفعله قبل الصلاة.

النقطة الأخرى المهمة في الأمر، هو موقف أدعياء الدولة المدنية والتنوير، ممن يتاجرون برفع شعارها، فأين مثلا: إبراهيم عيسى، وخالد منتصر، وإسلام البحيري، وفاطمة ناعوت، وغيرهم، لو أن الرئيس المرحوم محمد مرسي فعلها في خطابين من خطاباته فأقسم بالله، لرأيناهم بلا استثناء يهاجمونه، وقد هاجموه لأنه ألقى درسا دينيا بعد صلاة الجمعة، وتكلموا عن تكلفة موكب الصلاة، بينما السيسي يقسم ثلاثا في جل خطاباته. فهل يستطيع أحد منهم أن ينكر على السيسي مفرداته الدينية التي يقولها تخديرا للناس، بل وادعاؤه الحكم الإلهي الثيوقراطي بكل ما تعنيه الكلمة، فحينما يقول في خطاب له مؤخرا: (أنا في ضهري ربنا، واللي يقدر على ربنا يتفضل)، أليس هذا هو إعلان رسمي للحكم الثيوقراطي في أعلى تجلياته، بلا مواربة؟! فمن ولاه الله، ومن يعزله الله فقط، وليس للبشر أي دور في انتخابه أو اخياره، أو عزله.

لن تجد أي تصريح أو رد أو استنكار من أي من الأسماء التي تراها دائما تتبوأ منابر الحديث بمناسبة أو بدون مناسبة، للهجوم على الأزهر، أو المشايخ، أو أي شخص غير السيسي، بما يدل دلالة بينة وواضحة على أن ما يقوم به ادعاء التنوير هو متاجرة رخيصة، أو أناس تستأجر لمعارك السلطة، لا معارك التنوير الحقيقية.