العدد 1538 /23-11-2022
د. وائل نجم

انطلق يوم الأحد الماضي (20/11/2022) في العاصمة القطرية الدوحة المونديال أو مباريات كأس العالم في اللعبة الرياضية المفضّلة عالمياً، كرة القدم.

قبل اثني عشر عاماً اختارت "الفيفا" الهيئة أو المنظّمة التي تشرف على تنظيم وترتيب لعبة كرة القدم عالمياً، اختارت قطر لاستضافة بطولة العالم لكرة القدم في العام 2022. ومنذ تلك اللحظة التي تمّ فيها اختيار قطر لاستضافة هذا الحدث العالمي الكبير والجهود القطرية منصبّة على تأمين أفضل الأجواء من أجل النجاح في تنظيم هذا المونديال وبالتالي النجاج أمام هذا التحدّي.

كثيرون، ومنهم للأسف في العالم العربي راهنوا على فشل في قطر في النجاح بتنظيم المونديال، أو ربما تمنّوا ذلك من خلفية سياسية أو خلافية على قضايا ومواضيع لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بالرياضية. غير أنّ قطر استطاعت أن تنجح في هذا التحدّي، وأن تنجز ما هو مطلوب من أجل إنجاح هذه التظاهرة العالمية في الدوحة، فكان العقد الأخير كفيلاً بإنجاز بنية تحتية واسعة ومهمّة في الدوحة وفي مجمل قطر، كما تمّ بناء الملاعب والمرافق التي يحتاجها اللاعبون والفرق المشاركة ضمن المعايير العالمية المطلوبة، فضلاً عن الفنادق والبنى التحتية التي تؤمّن النجاح المطلوب.

لقد قيل إنّ قطر أنفقت مليارات كثيرة فاقت بحسب بعض الأرقام 200 مليار دولار على المونديال، وهو رقم بالطبع كبير جدّاً، غير أنّ ما غاب عن الأذهان أنّ ما يعني الملاعب والمونديال هو ما يساوي 10% فقط من الرقم المذكور في حين أنّ بقية المبالغ هي عبارة عن بنية تحتية للدولة القطرية ستظلّ قائمة ويستفيد منها القطري والمقيم، وستجعل من الدوحة ومن قطر بشكل عام دولة تتمتّع ببنية تحتية تفتقدها أفضل الدول على مستوى العالم.

أمّا الأهم فإنّ القطريين أكّدوا على أنّهم والعرب قادرون على تنظيم مثل هذه الاحتفاليات أو التظاهرات العالمية دون أيّ شعور بالنقص أو الدونيّة. لقد جاءت الاحتفالية الافتتاحية لتوكّد على أنّ العرب ومنطقة الشرق بشكل عام لا تقلّ شأناً وأهمية وخبرة ودوراً من الغرب أو من أيّة بقعة في العالم.

لقد قدّم القطريون باسمهم وباسم العرب صورة حضارية ومشرقة عن العرب والمسلمين أمام عشرات بل أمام مئات ملايين المتابعين الذين يتابعون المونديال، وفي موازاة ذلك أكّدوا على تمسّكهم بقيمهم وأخلاقهم ودينهم وتراثهم الذي لا يتعارض أيّ منها مع التقدّم العالمي والازدهار المنضبط الذي يصب في صالح الانسان المكرّم والموهوب. لقد استثمر القطريون ليس في ألعاب المونديال وفي أعمال التجارة التي ترافقه، بل استثمروا في أكثر من ذلك من خلال عرض قيم ومبادىء الإسلام الحنيف بطرق ووسائل لا عدّ ولا حصر لها للتعريف بالاسلام أمام تلك الجماهير المشاركة في المونديال أو المتابعة والمواطبة له. لقد أعادت الاعتبار لهذا الدين من خلال تقديم صورته الحقيقية المشرقة بخلاف تلك الصورة السوداوية التي سادت لفترة من الزمن بسبب الإشاعات وبسبب حرب التضليل التي مارستها وسائل إعلام عالمية لتشويه صورة العرب والمسلمين.

بعد اليوم ليس للأنظمة والحكومات العربية عذر لستجيل الانجازات في كافة الميادين، ولتأكيد الحضور الفاعل على الساحات الحضارية والدولية، ولعلّ ذلك يبدأ بشكل أساسي من احترام والتزام كرامة الانسان عبر إطلاق الحريات والمصالحات مع الشعوب التي لن تكون إلاّ وفيّة لمن تجد فيه صاحب نخوة ومشروع حضاري يرسي قيم العدالة والحريّة والحقوق بين الناس.

د. وائل نجم