العدد 1466 /16-6-2021

قرابة سبعة أشهر مضت على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة من دون أن يتمكّن من التشكّيل. قبلها ببضعة سنوات مضى عامان ونصف على الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى من دون أن يتمكّن المجلس النيابي من انتخاب رئيس جديد للجمهورية حتى تمّت الصفقة في حينه بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ وأتت بالرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية. قبلها أيضاً عانى الرئيس تمام سلام من أجل تشكيل الحكومة ولبث يبحث ويدوّر الزوايا قرابة عشرة أشهر حتى حانت اللحظة التي تمّت بها عملية التشكيل. كل ذلك إضافة إلى أسباب أخرى أوجد أزمة حادة في لبنان على المستوى السياسي ولاحقاً على المستويات كافة، اقتصادية واجتماعية وإدارية وغيرها، وهذا ما "خلق" نوعاً من الهواجس والتشكيك لدى كل المكوّنات اللبنانية، ونوعاً من الخوف على المستقبل ومنه، وهو ما حدا بالكثيرين إلى البحث والتفتيش عن أسباب وعمق الأزمة اللبنانية، وعن سبل الخروج منها، أو بالأحرى عن فرص البعض فيها، ومن ذلك راح البعض يتحدث عن أزمة نظام أو عن أزمة كيان أو عن غيرها من الأزمات في إطار توصيف الوضع القائم وطرح الحلول الممكنة له.

في الفترة الأخيرة نما في الأوساط السياسية أنّ حديثاً جدّياً بدأ تداوله في بعض الأروقة السياسية وغير السياسية من مجالات صناعة القرارات أو التأثير بها عن أزمة نظام يعاني منها لبنان وهي المسؤولة عن كل الأزمات والويلات التي يعيشها اللبنانيون وبالتالي بدأت رحلة البحث والنقاش عن حلول وطروحات لهذه الأزمة، ومن ذلك الحديث عن اعتماد نظام فدرالي للبنان على أساس طائفي مذهبي في آن، ونقل في هذا الإطار أنّ بعض المجموعات المهتمّة أو بالأحرى الخبيرة بمثل هذه الدراسات أعدّت ورقة مفصّلة حول شكل لبنان الجديد، وطرحتها للنقاش على طاولة بعض المرجعيات في إطار تشكيل رأي عام خارجي من الدول المؤثرة في المشهد اللبناني بعدما تبيّن لأولئك المهتمين بهذا الأمر أنّ هذه الفكرة (لبنان الفدرالي) اختمرت واكتمل نموّها في عقول بعض اللبنانيين ولدى بعض المكوّنات، وفي هذا السياق لم يُعرف إذا ما كانت تلك الورقة قد اعتُمدت في نقاشات طاولة تلك المرجعيات، وإذا ما كان سيتم الأخذ بها والانتقال إلى عواصم أوروبية لتسويقها.

وبغض النظر عن فرص مثل تلك الطروحات بالنجاح من عدمها في بلد كلبنان، وبغض النظر عن أحقية أو عدم أحقية النقاش في مثل هذه الأفكار، فإنّ توصيف الأزمة قد يكون فيه خلل كبير. لقد ذهب العبض إلى حصر الأزمة وأسبابها بالنظام السياسي القائم، متجاهلاً عن قصد أو عن غير قصد الطبقة السياسية التي تنفّذ أو تطبّق هذا النظام. بمعنى آخر لم يفصل بين الفكرة والتجربةن بل حاكم الفكرة انطلاقاً من التجربة والممارسة. والحقيقة أنّ الأزمة الحقيقية ليست في النظام السياسي الذي يعترف الجميع بحاجته إلى التطوير في بعض المواد و"المطارح"، ولكنّها في ممارسة الطبقة السياسية المسؤولة عن كل مآسي البلد وأزماتها، وعن الفساد الذي أوصل الوضع إلى ما هو عليه على المستويات السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والانسانية وغيرها، وبالتالي فإنّ الذي يحتاج إلى علاج حقيقي هي الطبقة السياسية وليس النظام السياسي حتى يتم الانقضاض عليه والتخلّي عنه والدخول بعد ذلك في دوّامة من المجهول لا تنتهي فصولاً ولا ندري إذا كانت ستنتج لنا بلداً حقيقياً أم أنّها ستدمّر ما بقي لنا من لبنان ثم ستأتي بعد ذلك مع تلك الطبقة على المكوّنات وعلى "اللبنانات" التي ستنتج بفضل الصيغة الجديدة من الفدرالية التي يبشروننا بها.

يمكن الحديث كثيراً عن بعض سلبيات "نظام الطائف" وهذا شيء بديهي لأنّه أولاً من صنع البشر وليس له صفة الكمال، وثانياً لأنّه يحتاج إلى التطوير مع تطوّر الزمن ومع المستجدات؛ ولكنّ أهمّيته الأساسية في كونه أرسى نوعاً من الاتزان والتوزان في بلد يتشكّل من مجموعات ولائية لكل منها ولاؤه الخاص به، وحوّل الصراع الذي كان قائماً من عسكري مدمّر إلى صراع سياسي يمكن أن ينتج الحلول أو حتى يمكن أن تنتج عنه إيجابيات كثيرة، ويبقى الشيء المهم هو في كيفية ممارسة الطبقة السياسية الحاكمة لأبجديات السياسة من ناحية، وكيف تترجم وتطبق نظام الطائف بشكل يحفظ البلد ويقدّم مصالحه على مصالح الأشخاص والزعامات والكيانات الصغرى. إنّها أزمة طبقة سياسية وليست أزمة نظام سياسي حتى نلقي بـ "لبناننا" الجميل إلى مجهول لا نعرف نتائجه ولا حدود مآسيه.

د. وائل نجم