العدد 1482 /13-10-2021

ملف انفجار مرفأ بيروت، أو بالأحرى كارثة مرفأ بيروت، تحوّل أو كاد إلى أحجية محيّرة يضيع معها وأمامها أكثر الناس دهاءً وذكاءً وحرفة. فأهالي الضحايا يريدون الحقيقة والعدالة حتى ترتاح نفوسهم ويشعروا أن شيئاً من الإنصاف قد وصلهم، وهم محقّون بذلك لأنّهم أكثر المكلومين، وأكثر من تأذّى من هذا الانفجار. والقضاء يريد كشف الحقيقة وإقامة العدالة وإنصاف أهالي الضحايا ويشدّد ويؤكّد دائماً على ذلك، وهذه بالمناسبة هي وظيفته التي يجب أن يقوم بها لأنّه وُجد أساساً من أجلها، غير أنّ الممارسة التي تشوبها أحياناً بعض الاستنسابية ترخي بظلال من الشكّ على الدور الذي يقوم به القضاء، وتترك العنان لأخيلة الناس تسرح وتمرج وتنسج الروايات والمؤامرات حول دوره وعمله واستخدامه في أتون المحاور والصراعات، وبالمناسبة هذا أيضاً ليس غريباً على تصرفات الكثيرين الذين يريدون أن يقحموا أي شيء في كل شيء من أجل شيئهم الخاص بهم. والطبقة السياسية أيضاً على تنوّعها واختلافها صدّعت وتصدّع آذاننا كل يوم وتقول إنّها تريد الحقيقة والعدالة في قضية انفجار المرفأ، ولا شيء غير ذلك. غير أنّ الممارسة أيضاً تكشف عن نيّة أخرى غير تلك التي يجري التصريح بها. فعندما تصل تحقيقات المحقق العدلي إلى أي طرف يتمّ الاستنكار والرفض والشجب، ويُتهم القضاء بالتسييس والاستنسابية ومجافاة الواقع والحقيقة. وهنا نسأل أنفسنا، نحن الناس البسطاء، نسأل: ترى من يريد الحقيقة من كل هؤلاء؟ من يريد العدالة حتى يتمّ إرساء دولة المؤسسات ويشعر كل مواطن أنّه محمّي بالقانون وليس بالزعامات السياسية أو الحزبية أو غيرها؟! ترى من يعرقل؟ ومن يسهّل ؟ ومن يستغلّ؟ ومن يستثمر؟ وأسئلة كثيرة ربما لا تنتهي ولا تنتفي معها الحيرة والضياع.

خلال الفترة الأخيرة وجّه المحقق العدلي اتهامات خطيرة لرئيس الحكومة السابق ووزراء ونوّاب ومسؤولين أمنيين وعسكريين بالمسؤولية عن انفجار المرفأ، لكنّه في الوقت نفسه تجاهل أو لم يلتفت إلى مسؤولين آخرين صرّحوا أمام الإعلام بمعرفتهم واطلاعهم على جزئيات أو رئيسيات ممّا له علاقة بملف الانفجار، وقد كان هذا السبب وحده كفيلاً بوضع القضاء وإجراءات المحقق العدلي في موضع التشكيك وشبهة التسييس، وبالتالي فإنّ ذلك أضع البوصلة في مسألة كشف الحقيقة ووضع القضاء بشكل رئيسي أمام تحدّي إثبات الشفافية والمصداقية والبعد عن الاستنسابية والاستثمار والتسييس، وهي مهمّة مسؤول عنها بشكل رئيسي القضاء ومجالسه المختصّة من دون أن يعني ذلك إضاعة التحقيق أو إدخاله في زواريب السياسة الفعلية التي تحرفه عن الحقيقة والعدالة، وإلاّ فإنّه سيبقى عرضة للشكّ وبالتالي فإنّ كلّ ما يمكن أن يصدر عنه سيكون أيضاً عرضة للشكّ وعدم القبول.

أمّا الطبقة السياسية على تنوّعها واختلافها، وهي التي أيضاً تنادي بضرورة كشف الحقيقة ومعاقبة المسؤولين عن الجريمة، فإنّ هذه الطبقة أيضاً وضعت نفسها في موضع الشكّ والارتياب والاتهام، إذ أنّ رفضها الخضوع لإجراءات القضاء، والتشكيك المطلق بقرارات القاضي، واتهامه من دون سند قانوني وحقيقي بالاستنساب والتسييس، جعلها في موضع اتهام حقيقي، وأثار حولها زوبعة كبيرة من الشكّ بالمسؤولية الجزئية أو الكلّية عن القضية، أو حتى عن قضايا أخرى ربما ليس لها صلة بهذه القضية الأساسية، وهنا يبرز السؤال المنطقي، لماذا خوف وقلق هذه الطبقة السياسية من القضاء ومن إجراءات القاضي إذا كانت على يقين ببراءتها؟! ولماذا هذا الهلع من قضاء هي أساساً لها دالّتها عليه؟!

إنّنا بتنا أمام مشهدية يضيع معها الناس في متاهة لا يعرفون فيها أي شيء ومن الصعوبة أن يعرفوا معها الحقيقة الحقّة، فهل هذا جزء من المطلوب وتوزيع الأدوار؟ أم أنّه صراع حقيقي بين السياسة والقضاء؟ أم ماذا؟

المهم أن يثبت أحد المعنيين صدقيته وجدّيته لنا حتى نؤمن به وتطمئن قلوبنا إلى أنّ الحقيقة ستظهر وتنجلي وأنّ موعد المحاسبة لن يكون بعيداً.

د. وائل نجم