العدد 1453 /17-3-2021

د. وائل نجم

قرابة خمسة أشهر مضت على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل حكومة جديدة من دون التوصّل إلى هذه الحكومة. في كل مرّة يجري الحديث عن الاقتراب من موعد تشكيلها والاتفاق على جميع عناصرها ووزاراتها ووزرائها تعود الأمور في ربع الساعة الأخير إلى المربّع الأول. تارة يجري الحديث عن مواصفات، وتارة أخرى عن معايير، وطوراً ثالثاً يجري الحديث عن حكومة لاحزبية ومن أصحاب الاختصاص والكفاءة، وهكذا تجري الأيام من دون الوصول إلى هذه الحكومة لأنّ المعنيين بها، في الداخل والخارج، لم يقتنعوا بعد بحصتهم بها، أو ربما لم يروا بعد في تشكيلها مصلحة لهم، ولذلك تدور العجلة مكانها من دون أيّ تقدّم في وقت تكوي الأزمات المتلاحقة اللبنانيين بغلاء الدولار والأسعار وغياب السلع من السوق وغيرها من الأمور التي لا عدّ ولا إحصاء لها، ولذلك يبرز السؤال المنطقي والجوهري والأساسي متى يقتنع المعطّلون لمسار تشكيل الحكومة أنّها باتت ضرورية بل أكثر من ضرورية للبلد واستمراره ونجاته؟ متى يقتنعون أنّ الحلّ قبل انهيار الهيكل يكمن في تنازلهم عن كبريائهم وعن بعض مصالحهم وأنانيتهم؟

ليس المهم من يعطّل تشكيل الحكومة. بغض النظر إذا كان التيار التيار الوطني الحرّ ورئيسه أو إذا كان رئيس الجمهورية وفريقه، أو إذا كان الرئيس المكلف وتياره، أو إذا كان حزب الله وقلقه، أو إذا كان وليد جنبلاط وهاجسه، أو إذا كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحركته، أو إذا كان المجتمع المدني وحراكه، أو إذا كان رياض سلامة ومصرفه، أو إذا كان ضرّاب الطبل وفريقه الزفّة معه. ليس المهم إذا كانت أميركا وأطماعها، أو إيران ونفوذها، أو السعودية ودورها، أو تركيا وتطلعاتها. الجميع في لبنان بات يعرف، وهو أساساً يعرف من يعطّل ومن يعرقل ولماذا يعطّل ولماذا يعرقل، فـ "حارتنا ضيّقة ومنعرف بعضنا". الجميع يعرف المعطّلين ولماذا يعطّلون. ولكن لهؤلاء ألم تكتفوا بعد من مظاهر اليؤس التي يعيشها الناس؟ ألم تشبعوا بعد من الكمّ الهائل الذي أخذتموه واحتكرتموه بحق أو بدون بحق؟ ألم تشعروا بعض بضيق الحل وفقر الناس، على أقل تقدير "ناسكم" الذين انتخبوكم والذين يموتون عند عتبات منازلكم دفاعاً عنكم وعن مشاريعكم الوهمية الفارغة التي لا تحمل إلا النفاق والكذب على أتباعكم قبل خصومكم؟ ألم تقلقوا من خسارة كل شيء وأنتم ترون الناس تخرج عن طورها يوماً بعد يوم وهي تخرج إلى الطرقات تعبّر عن ألمها من ناحية ومعاناتها من ناحية ورفضها لهذا الواقع المؤلم من ناحية ثالثة؟ أما آن لكم أن تشفقوا على هذا الشعب المسكين وتفرجوا عن تشكيل الحكومة من أجل إعطاء هذا الشعب جرعة "أوكسيجن" ليس إلاّ.

لعلّ أفضل تعبير استخدمه بعض الزملاء الصحفيين عندما وصف حال هذه الطبقة السياسية بأنّها أصيبت بـ "سكتة دماغية". هذه السكتة التي أفقدتها حواسها فلم تعد تشعر بألم أو قلق أو خوف أو حبّ أو أيّ شيء من هذا القبيل. هذه السكتة التي أفقدتها ضميرها. بل الأصح أنّ هذه الطبقة فاقدة للضمير أصلاً قبل أن تصاب بهذه السكتة الدماغية، ولذلك هي بدون إحساس، وبدون شعور وبدون قيم. هذه السكتة الدماغية التي أدخلت تلك الطبقة السياسية في "كوما" وجعلتها في عالم آخر غير العالم الأرضي الذي يكتوي الناس بناره وغلائه وسعير أسعاره. ولعلّ، على رأي البعض، أنّ من الرحمة أو من الواجب، إنهاء حياة تلك الطبقة السياسية في تلك "الكوما" رأفة بها وباللبنانيين الذين لن يعرفوا سبيلاً للخلاص قبل خلاصهم من أولئك المعطّلين الذين أصيبوا بسكتة دماغ بعد أن كانوا مصابين بسكتة ضمير.

بيروت في 17/آذار/2021