العدد 1463 /26-5-2021

قرابة أربعة أشهر مضت على تكيلف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، ولكنّ شيئاً لم يطرأ على مشهد تعطيل وعرقلة التشكيل وتأخير الحلّ المنتظر للخروج من نفق الأزمات الكثيرة والمتناسلة في البلد. ثمانية عشر لقاءً تحدّث عنها الرئيس المكلف جمعته برئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا من دون أن يسفر أيّ لقاء منها عن تسهيل تشكيل الحكومة. كانت كلّ المحاولات تصطدم بجدار المحاصصة والمصالح الخاصة ومحاولات الاستئثار وربما الكيدية السياسية. كل هذا الوقت الذي مضى وتبادلت فيه الأطراف المسؤولية عن التعطيل والعرقلة كان على حساب المواطنين اللبنانيين الذين يذوقون طعم الأمرّين كل يوم جراء الغلاء وفقدان مواد أساسية من الأسواق.

خلال الأسبوع الماضي، وفي ظل انشغال العالم أجمع بالعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وعلى قطاع غزة، وجد رئيس الجمهورية مساحة مريحة ليوجّه رسالة رئاسية إلى المجلس النيابي يطالبه فيها بمناقشة مسألة تشكيل الحكومة بعد مضي هذا الوقت على التكليف، وكأنّ بـ "فخامة" الرئيس يريد أن يطلب من المجلس النيابي أن يسحب التكليف من الرئيس المكلّف!!

طبعاً من حق رئيس الجمهورية الدستوري، وأنا عنونت لمقالي عن انتهاك الدستور، من حقّه أن يوجّه للمجلس النيابي رسالة في أيّ أمر يرى أنّه يستحق النقاش في أروقة المجلس حتى يكون المجلس شريكاً كاملاً في تحمّل المسؤولية وإيجاد وابتكار الحلول، فنحن في نظام ديمقراطي برلماني والمجلس النيابي سيّد نفسه. ولكن في موازاة ذلك من حقّ كل مسؤول في أيّ موقع أن يحفظ صلاحيات الموقع انطلاقاً واستناداً للمواد الدستورية الناظمة، ولا يجوز بأيّ وجه من الوجوه مخالفة الدستور تحت أيّ مبرّر من المبرّرات أو الأعذار.

في ملف تشكيل الحكومة المتعثّر حتى الآن بسبب العرقلة والنوايا غير الصافية، هناك محاولات متكرّرة لانتهاك الدستور، بل هناك انتهاك للدستور ومحاولات لتكريس أعراف جديدة تحلّ محل الدستور وتصبح بمثابة أعراف دستورية.

وللتذكير نحن هنا في لبنان ولسنا في بريطانيا المحكومة بالأعراف الدستورية. هناك لديهم احترام لتلك الأعراف التي لا تولد كل يوم وتكون خاضعة لمصلحة هذه الشخصية أو ذاك المتنفّذ أو تلك الفئة. وهنا كل زعيم وكل فريق وكل فئة سياسية أو طائفية أو مذهبية تريد وتحاول أن تكرّس أعرافاً دستورية مع كل فائض قوّة تشعر به. هناك يمكن أن تنظم الأعراف الدستورية حياة الناس والنظام العام للبلد، وهنا لا يمكن أن يحدث ذلك. هنا لا بدّ من دستور مكتوب وموقّع عليه من الجميع وواضح وضوح الشمس في رابعة النهار حتى تسير الأمور بشكل طبيعي.

وبالعودة إلى ملف تشكيل الحكومة والتي يتمّ النظر إليه على أنّه القضية الأساس للخروج من النفق المظلم، فإنّ الدستور كان واضحاً لناحية آليات تشكيل الحكومة وطرق ذلك. فلماذا محاولات انتهاك الدستور والعمل كل مرّة على فرض أعراف جديد خارجة وبعيدة عن النص الدستوري؟ لماذا هذا "الاستقتال" على الاستئثار بصلاحيات جديدة واحتكار مشهد الحلّ في البلد؟ لماذا هذه العقلية التي لا تعرف سوى منطق "أنا الآمر الناهي"، أنا القائد الذي لا يُردّ قوله!!

الدستور قال كلاماً واضحاً مفاده أنّ الرئيس المكلف هو الذي يتحمّل مسؤولية التكليف أمام المجلس النيابي، وهو الذي يحاسب ويساءل عن أداء وعمل الحكومة، وهو الذي يشكّلها ويختار وزراءها. أمّا رئيس الجمهورية فله الحق في رفض التشكيل أو التوقيع عليه. ما يجري من قبل رئيس الجمهورية فيه محاولة للتعدّي على صلاحية الرئيس المكلف من ناحية، وصلاحية المجلس النيابي من ناحية ثانية. يريد رئيس الجمهورية أن يكون شريكاً كاملاً في تشكيل الحكومة وهو غير مسؤول عن أدائها أمام المجلس النيابي. ويريد أن يصادر دور المجلس النيابي في حجب أو منح الثقة للحكومة قبل أن تصل إليه. وفي كلا الأمرين انتهاك للدستور ومحاولات لتكريس أعراف جديدة، ومحاولات لإعادة عقارب الساعة أو الوراء.

ليس بهذه الطريقة تتمّ إدارة البلاد والعمل لخروجها من مشكلاتها وأزماتها. هذه المحاولات تعمّق المأزق وتبعد الحلّ، وهذا ما رأيناه وتابعناه في الجلسة الأخيرة للمجلس النيابي، في وقت لا يتحمّل لبنان المزيد من المغامرات التي وصلت به إلى هذا الوضع المأزوم الذي يتخبّط فيه.

د. وائل نجم