العدد 1496 /19-1-2022

يمكن القول إنّه اعتباراً من مطلع الأسبوع المقبل قد تعود الحكومة إلى عقد جلساتها المشروطة بمناقشة الموازنة وخطة التعافي الاقتصادي ليس غير ذلك. هذا على أقلّ تقدير ما صرّح به الثنائي أمل – حزب الله عندما أعلنا العودة إلى حضور جلسات الحكومة المخصّصة لهذين الموضوعين وعدم حضور أيّة جلسات أخرى لا سيّما منها المتصلة بمواضيع من قبيل التعيينات أو غيرها من الأمور الأخرى.

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رحّب مباشرة بالإعلان، وأشار إلى أنّه سيسعى إلى عقد جلسة في أقرب وقت، وأشار أيضاً إلى أنّ المواضيع التي ستناقشها الحكومة لن تقتصر على الموازنة وخطة التعافي الاقتصادي فحسب، بل ألمح إلى أنّ الحكومة ستمارس دورها وصلاحيتها كالمعتاد.

في بلد كلبنان يقوم نظامه السياسي على توزيع مواقع القرار في الدولة على المكوّنات المُشكّلة للكيان من أجل الحفاظ على التوازنات كجزء من عملية الحفاظ على الاستقرار الهش، أوضح هذا النظام في مواده التي يتشكّل منها صلاحيات كل موقع ودوره وحدود عمله حتى لا يكون هناك أيّ طغيان من موقع على موقع آخر، وبالتالي يتحوّل النظام المتوازن إلى نظام آحادي يتحكّم به فريق أو مكوّن دون غيره.

بهذا المعنى يمكن القول إنّ عودة العمل الحكومي المشروطة بنقاش الموازنة وخطة التعافي الاقتصادي فقط فيه افتئات على صلاحيات رئيس الحكومة الذي أناط الدستور به حصراً وضع جدول أعمال مجلس الوزراء، ولرئيس الجمهورية أن يطرح من خارج جدول الأعمال خلال الجلسة ما يراه. وإنّ تحديد جدول أعمال الجلسة المقبلة ببندي الموازنة وخطة التعافي الاقتصادي فيه تعدٍّ على صلاحيات الرئاسة الثالثة، وتجاوز فاضح للدستور، وهذا ما لا يجب أن يقبل به رئيس الحكومة بأي شكل من الأشكال وتحت أي عنوان من العناوين، لأنّ ذلك سيكّرس أعرافاً جديدة تطيح بما تبقّى من دستور وقانون وهيبة دولة ومؤسسات.

المعروف أنّ رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي شديد المراس في تصدّية لأيّة محاولة فيها نوع من التجاوز على صلاحيات رئاسة الحكومة، غير أنّ ترحيبه السريع وإفراطه الذي بدا في تلقّفه لإعلان العودة إلى الحكومة ينذر بقبوله هذا العرف الجديد من أجل تفعيل العمل الحكومة وتحت عنوان المصلحة الوطنية حتى لو كان ذلك على حساب المكوّن المؤسّس والأساسي في هذا البلد المسلمون السُنّة.

إنّ "التضحية" أو بالأحرى التنازل والتراجع الذي قدّمه من قبل رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، في محطات عديدة، منها انتخاب رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون، ومنها الموافقة على قانون الانتخاب الحالي الذي اعتمد القانون الذي النسبية مع الصوت التفضيلي، إلى غيرها من التنازلات الكثيرة في مواقع إدارية وغيرها كلّها أوصلت البلد إلى ما وصل إليه، وأوصلت المكوّن المسلم السُنّي إلى هذه الحالة التي يشعر فيها أنّه مستضعف ومستهدف بالتنازلات والتخلّي عن المواقع وعن الدور الحضاري والحضوري والتواجدي في هذا البلد. وإنّ المسؤولية كبيرة طبعاً على تلك السياسات وأصحابها خاصة بعد أن ترك الرئيس الحريري البلد والمكوّن الذي قيل يوماً إنّه (الحريري) "أبوه" لمن يريد أن يأكل أخضر البلد ويابسه، وترك وراءه كل تلك التنازلات التي تحتاج إلى جهود جبّارة لاستعادتها.

أمام هذا المشهد فإنّ رئيس الحكومة أمام مسؤولية وطنية، وأمام مسؤولية تجاه المكوّن الذي ينتمي إليه ويشغل الموقع باسمه كي لا يقبل بأيّ شكل من الأشكال التضحية أو التنازل أو الاستجابة لأيّ ضغط من هنا أو هناك أو تحت عنوان الإتيان بالحلول والخروج من المأزق، فهذا البلد للجميع والجميع مسؤولون عن إيجاد الحلول والمخارج وإذا لا بدّ من تنازلات أو تسويات فلا بدّ أن تشكل الجميع ومن دون استنثاء.

د. وائل نجم