العدد 1510 /27-4-2022

كأنّ قدر طرابلس أن تعيش كلّ فترة من الزمن مأساة جديدة أو فاجعة تُضاف إلى قائمة المآسي التي يعيشها أهلها، وقد جاء غرق أو إغراق الزورق (بانتظار نتائج التحقيقات) الذي كان يقلّ عائلات طرابلسية وعكّارية وضنّاوية كفرت بالبلد وما وصل إليه، فباعات بعضاً من ممتلكاتها وما كسبته على مدى عقود علّها تجاه في الطرف الآخر للشاطىء بعضاً من الأمان والاطمئنان والكرامة الانسانية بعدما باتت هذه الأشياء سلعة غالة ومفقودة في البلد.

لا أريد أن أتحدث عن الفاجعة وكيف حصلت وما الشيء الذي حصل حتى كانت هذه النتيحة الأليمة حتى لا أصرف الانتباه عن الأمرس الأساسي والأول في هذه القضية. نعم الأساسي، وهو الأسباب التي دفعت هؤلاء الذين كانوا يعشون بلدهم إلى الكفر به والهجرة منه والمخاطرة بهذه الطريقة بحثاً عن أمل في الطرف الآخر.

أريد أن أقف عند مسؤولية الطبقة السياسية التي أوصلت الأمور إلى هذه الحالة في البلد حيث بلغ مستوى الفقر وفق تقديرات المؤسسات المحلية والدولية المعتبرة حوالي 80%، والفقر المدقع حوالي 40%، وبات دخل الفرد لا يتخطّى في أحسن الحالات المئة دولار شهرياً في مقابل ارتفاع جنوني للأسعار والخدمات ما حدا بالكثير من العائلات وأرباب الأسر يفكّر بالهجرة وترك البلد. وهنا نسأل ويسأل الكثيرون: ماذا قدّمت هذه الطبقة من حلول للتخفيف من وطأة الأزمة؟ وماذا فعلت للحدّ من الفقر وتالياً الهجرة والمآسي؟ إنّها تتحمّل المسؤولية الأولى والأكبر عن الفاجعة ويجب أن تدفع الثمن جراء هذه المسؤولية.

ثم أريد أن أسأل قيادات وشخصات وقوى مدينة طرابلس الذين يتحدثون باسم المدينة وفقرائها، وقد تناوبوا على تمثيلها من رئيس الحكومة إلى الوزراء والنواب والشخصيات السياسية التي تضع نفسها في صفوف المعارضة أو المجتمع المدني، نسأل كلّ هؤلاء: ماذا قدّمتهم لطرابلس وأنتم تحتكرون تمثيلها وتتاجرون بـ "فقر" أهلها؟ ماذا فعلتم لأهل طرابلس المفجوعين وقد قضيتهم عقوداً في سدّة المسؤولية لم تبيعوهم فيها سوى الوعود.

أمّا أهالي الضحايا فلهم الله بعد هذه الفاجعة، وكذلك أهالي طرابلس والشمال عموماً، ولكن ماذا عن بقية الوطن؟ ماذا عن الأزمات التي تنتظر الحلول؟

هناك سياسة تغرق البلد كلّه بمعرفة المسؤولين وأرادتهم ومشاركتهم أو من دون ذلك. وإذا كان الزورق الذي غرق أو أغرق قبل أيام قبالة طرابلس آخذاً معه عدداً من الذين كانوا على متنه فإنّ الوطن يغرق كل يوم وكل لحظة جراء السياسات القائمة، ومنطق المحاصصة والكيدية الطاغي، والتفكير الانعزالي والضيّق الذي لا يرى إلاّ الأتباع والمقربين والمنتمين إلى "الجوقة" الواحدة.

الوطن يغرق والطبقة السياسية ما زالت تتقاسم المغانم وكأنّ هذا الوطن "دبّ" تتقاسم هذه الطبقة جلده بعد ان اصطادته دونما إلتفات أو اعتبار للأتباع ولأي شيء آخر.

آن للمواطنين أن يحزموا أمرهم ويأخذوا قرارهم الحرّ في صناديق الاقتراع القادمة، وأن يعملوا من أجل التغيير الحقيقي الذي يضع حدّاً لـ "لامبالاة" هذه الطبقة، وإلاّ فإنّنا سنشهد كل يوم فاجعة جديدة من لون آخر وفي منطقة أخرى وصولاً إلى الفاجعة الكبرى، فاجعة غرق الوطن وحينها لن ينفع أي ندم.

د. وائل نجم