العدد 1533 /19-10-2022
د. وائل نجم

تحدثت وسائل إعلام قبل أيام عن توجيه السفارة السويسرية في بيروت دعوة إلى عدد من القوى السياسية والأحزاب اللبنانية إلى عشاء تستضيفه السفيرة السويسرية في مبنى السفارة في بيروت. ولاحقاً أكّدت السفارة هذه الدعوة عندما أعلنت عن إرجائها إلى أجل غير مسمّى بعد أن أعلنت بعض القوى السياسية عن رفضها الحضور في اللقاء الذي قيل إنّه سيكون بمثابة جلسة تمهيدية لإطلاق حوار وطني تستضيفه جنيف بين القوى اللبنانية.

في الشكل بدا كما لو أنّ السفارة السويسرية أرادت أن تمرّر العشاء واللقاء بسرّية ومن دون ضجيج كما لو أنّها تقوم بفعل مشين، والدليل على ذلك أنّها لم تعلن عن العشاء ابتداءً، بل وجّهت الدعوات إلى بعض الشخصيات السياسية والنيابية والقوى السياسية دون شرح وافٍ لطبيعة الدعوة و لجدول أعمال هذا العشاء الذي كان سيضم قوى سياسية مختلفة بشكل كبير على كلّ صغيرة وكبيرة في لبنان.

وفي المضمون بدا كما لو أنّ السفارة السويسرية أرادت أن تطلق حواراً وطنياً يطاول بنية النظام اللبناني وأزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويكون مقدّمة لتغيير هذا النظام أو تبديله أو تعديله أو الانتقال به وبلبنان إلى مكان آخر، وظهر كما لو أنّ دعوة السفارة جاءت على طريقة تنفيذ إلتزامات أو "بزنس" تجاه بعض الدول الأوروبية الأخرى، وعندما يجري الحديث عن دور فرنسي طلب من سويسرا القيام بهذا الدور والمهمة المرحلية حيث تبحث فرنسا عن مصالحها وعن الحلول لمشاكلها التي تعاني منها حالياً ولو على حساب لبنان وعلى حساب استقراره والتوازن القائم به، خاصة وأنّ الدعوة جاءت متزامنة مع اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، فبدا الأمر كما لو أنّه جائزة ترضية داخلية لطرف على حساب طرف آخر تحت عنوان حلّ أزمة النظام السياسي، والتي يعرف الجميع أنّها لا تكمن في النظام نفسه بقدر ما تكمن في الطبقة السياسية التي تقدّم المصلحة الخاصة والفئوية على حساب المصلحة الوطنية الجامعة.

أمّا بالنسبة للقوى التي وُجّهت الدعوة لها كما ورد في الصحافة اللبنانية، والتي لم تعتذر ببيان رسمي عن الحضور، خاصة وأنّ المسألة باتت واضحة لناحية نوايا منظّمي اللقاء بالنسبة للنظام السياسي اللبناني، واتفاق الطائف منه على وجه التحديد؛ فإنّ هذه القوى الصامتة على الدعوة كان الحريّ بها أنّ تدخل في حوار داخلي مع منافسيها من دون رعاية أو تدخّل خارجي، وهذه القوى لطالما رفضت التدخلات الخارجية واعتبرت ذلك تدخلاً بالشأن السيادي اللبناني.

إنّ ذلك يكشف أنّ أغلب تلك القوى رهنت لبنان لمصالح الخارج وفتحت الباب واسعاً أمام الاستغلال الخارجي للبنان وتحويله ساحة لتحقيق مصالحها وإفشال خطط ومشاريع غيرها، وبالتالي فإنّ هذه القوى لا تكون مؤتمنة على لبنان ومصالحه.

إنّ الحلّ الأسرع والأقل كلفة على لبنان وعلى الجميع يكمن في تقديم مصلحة الوطن على المصالح الخاصة والشخصية والفئوية الضيّقة؛ وفي الترفّع عن منطق المحاصصة والاستئثار وأسر لبنان لصالح أطراف خارجية؛ وفي تطبيق الدستور دون مناكفات أو تفسيرات وهمية منطلقة من ضيق أفق أو كيدية حاقدة، والذهاب إلى تطبيق ما لم يُطبّق من دستور الطائف وتطوير ما يحتاج إلى تطوير خارج إطار نوايا الاستئثار والسيطرة والهيمنة على القرار اللبناني.

لبنان ليس بحاجة إلى عشاء في أيّة سفارة. لبنان بحاجة إلى نوايا طيبة من قادته تخرجه من هذا الأتون الذي يبحث فيه كل طرف خارجي عن مصالحه مهما زعم وادّعى أنّه يريد المصلحة اللبنانية.!

د. وائل نجم