العدد 1511 /11-5-2022

أيام قليلة بل ربما ساعات وتُفتح صناديق الاقتراع أمام اللبنانيين للإدلاء بأصواتهم واختيار مجلس نيابي جديد يوم الأحد الواقع في الخامس عشر من أيّار الجاري. وكان المغتربون اللبنانيون في بلدان العالم قد اقترعوا يومي الجمعة والأحد الماضيين، وقطعوا الشكّ باليقين لناحية حصول الانتخابات النيابية في وقتها المحدّد.

الجميع ينظر إلى هذا الاستحقاق على أنّه استحقاق مفصلي ومهمّ ويمكن أن يكون مقرّراً لما بعده، غير أنّ ما يميّز هذا الاستحقاق، وللأسف، أمران: المال الانتخابي، والفتوى الدينية.

في مسألة المال الانتخابي فإنّ الدفع بات على المكشوف في ظل الأزمة الحياتية والمعيشية الصعبة التي يعيشها اللبنانيون، ولكنه يأتي بأشكال مختلفة ومتعددة، من الدفع المباشر إلى تسجيل السيارات لنقل الناخبين، إلى تسجيل المندوبين بكثافة من دون الحاجة إليهم، إلى حشو الماكينات الانتخابية بناخبين ليس لهم عمل فيها، إلى العطاءات والبطاقات التموينية وبطاقات الاستشفاء المؤقتة، إلى غيرها من الأشكال والأساليب التي ليس لها هدف سوى شراء ذمم الناخبين وأصواتهم بتلك الطرق مع العمل لإقناعهم بأنّهم لا يخالفون ضميرهم أو وجدانهم بل يقومون بأمر عادي طبيعي يأتي في سياق إنجاح المسار الانتخابي، وللأسف تكاد كلّ اللوائح متورّطة بهذا الأمر بنسب متفاوتة وبحسب القدرة، وقد أشار إلى ذلك رئيس الجمهورية عندما تحدث قبل أيام عن المال الانتخابي وطلب من هيئة الإشراف على الانتخابات ومن القضاء التدخّل لوضع لهذا الشيء لأنّه يؤثّر بشكل كبير على نتائج الانتخابات وعلى نزاهتها. ولكن لا يبدو أنّ أحداً يسمع أو يرى أو يحاسب.

في مسألة الفتوى الدينية، لا يمكن القول إنّ فتاوى دينية صريحة صدرت عن مراجع معتبرة وطالبت بالتصويت لأشخاص بعينهم، غير أنّ مواقف دينية أو من على منابر دينية أو من رموز دينية صدرت على هيئة فتاوى دينية وطالبت بالمشاركة بالاقتراع والانتخاب كما لو أنّ المقاطعة فيها حرمة شرعية ومسؤولية أمام الله، مع العلم أنّ أيّاّ من المشاركة أو المقاطعة حالة تعبير من حقّ أيّ ناخب، وإن كنْتُ على المستوى الشخصي أعتبر أنّ المشاركة أفضل وأكثر فائدة من المقاطعة، غير أنّ إلباس هذا الشيء لبوس الحرمة الدينية يجعل كل العملية الانتخابية والمسار الديمقراطي غير ذي معنى. ولذلك من حقّ رجال الدين والعلماء كغيرهم من الناس أن يدلوا برأيهم ووجهة نظرهم من هذا الموضوع، ولكن ليس من حقّهم أن يضفوا على العملية بعداً شرعياً أو دينياً يقيّد حرّية واختيار الناخبيين.

بهذين المعنيين فإنّ المسار الانتخابي والعملية الانتخابية يوم الخامس عشر من أيّار باتت مهدّدة في نزاهة نتائجها وحقيقة تمثيلها للناخبين، وباتت معها مسألة التغيير الحقيقي على المحك، وبات باستطاعة القوى الممسكة بالسلطة وقوى التأثير المالي صياغة النتائج قبل فتح أو إقفال صناديق الاقتراع، ولذلك فإنّ الناخبيين اليوم أمام مسؤولية حقيقية للقيام بدورهم التاريخي دون أن يسمحوا لا للمال الانتحابي ولا للفتاوى الدينية المسخّرة لخدمة الأهداف السياسية بالتأثير عليهم وتالياً على التغيير المنشود.

د. وائل نجم