العدد 1531 /5-10-2022
د. وائل نجم

فاجأ رئيس المجلس النيابي، نبيه برّي، الأسبوع الماضي الكتل النيابية والنوّاب بالدعوة لعقد أول جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يوم الخميس الماضي. لم يكن أحد يتوقّع أن يسارع الرئيس برّي إلى عقد الجلسة على الرغم من مرور قرابة شهر على المهلة الدستورية على اعتبار أنّ التوافق على اسم الرئيس لم يزل بعيداً، غير أنّ برّي فضّل انعقاد الجلسة حتى لا يُتهم بتعطيل انتخاب الرئيس.

المجلس النيابي المنقسم على نفسه والموزّع بين كتل وأحزاب متباينة بل مختلفة لم يفاجىء اللبنانيين بفشله في انتخاب الرئيس المنتظر، فالجميع كان يعرف أنّ الجلسة الأولى التي يحتاج نصاب انعقادها إلى ثلثي أعضاء المجلس، ويحتاج الرئيس للفوز من الجلسة الأولى إلى الحصول على ثلثي أعضاء المجلس، لن تكون جلسة حاسمة لناحية الانتخاب وظهور الرئيس الجديد بالنظر إلى انقسام المجلس كما اشرنا سابقاً.

غير أنّ المفاجأة الحقيقية هي في تهرّب المجلس من القيام بدوره وواجبه لناحية الانتخاب الحقيقي. ولا أقصد بذلك الطعن بحق النوّاب التصويت بورقة بيضاء، وإن كان ذلك يعني فيما يعنيه أنّ البلد، والطائفة المسيحية المارونية على وجه التحديد التي يكون الرئيس من بين أبنائها، لم يعد فيها من يستحق هذا المنصب أو لا يوجد فيها من يملك الجدارة على إدارة الدولة من خلاله. كان الأولى التصويت لأيّة شخصية مارونية يجد فيها النوّاب القدرة والكفاءة على شغل المنصب حتى ولو لم يكن هناك قناعة بالقدرة على وصولها إلى المنصب. لأنّ من شأن ذلك التعبير عن التطلّع إلى الشخصية المطلوبة للمرحلة المقبلة.

المفاجأة الحقيقية كانت بانسحاب نوّاب من القاعة بعد انتهاء الجلسة الأولى وأثناء حالة الصخب والضوضاء التي حصلت على أمور لا قيمة لها، أتاحت المجال أمام بعض النوّاب للانسحاب، وأفقدت المجلس النصاب القانوني لعقد جلسة ثانية تتيح انتخاب رئيس للجمهورية بالأكثرية المطلقة (65 صوتاً)! لقد أظهر هذا التصرّف، وبغض النظر عن النوّاب أو الكتل المسؤولة عنه، حجم اللامبالاة تجاه المواطنين وهم يعيشون كلّ هذه الأزمات والويلات ويبحثون عن أيّة فرصة للخروج من المأزق.

كان الأجدر بالنوّاب في ظل الأزمة الضاغطة على المواطنين أن يظلّوا داخل قاعة المجلس حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وإن لم يكن بالتوافق بالآليات الديمقراطية التي يجري من خلالها التداول السلمي على السلطة، وإلاّ لماذا نحن في نظام ديمقراطي برلماني؟ ولماذا نجري انتخابات ونتحمّل أعباء هذه العمليات؟!

لقد أثبتت الكتل التي لجأت إلى هذا الفعل أنّها غير مسؤولة وغير جادة في العمل للخروج من الأزمة، وغير مهتمّة بقضايا الناس ومآسيها بقدر اهتمامها في كسب المزيد من المصالح الخاصة والفئوية ولو كانت على حساب المواطنين.

وأمّا الكتل الأخرى التي ظلّت صامدة في القاعة فهي ليست أفضل حالاً من تلك التي انسحبت، فهي كانت تنتظر كما لو أنّها تمارس كميناً لزميلاتها من الكتل المنسحبة من أجل تسجيل انتصار وهمي عليها بانتخاب رئيس قد لا يملك القدرة على إيجاد الحلول للبلد، بل على العكس من ذلك قد يعيد إنتاج السنوات العجاف التي مرّ بها لبنان كما لو أنّنا لم نتجرّع في هذه السنوات السمّ الزعاف أو لم نصل إلى "جهنم" التي وعد بها أحدهم ذات يوم.

د. وائل نجم