العدد 1467 /23-6-2021

الأزمة في لبنان بلغت مستوى غير مسبوق منذ أكثر من عقدين على الأقل. إنسداد في أفق الحلّ السياسي بسبب تعطيل وعرقلة تشكيل الحكومة وتقاذف الاتهامات والمسؤولية عن ذلك بين الرئاسات، وبسبب منطق المحاصصة والاستئثار السائد لدى أغلب القوى السياسية، وانعدام المسؤولية السياسية والاخلاقية عند أغلب الطبقة السياسية الحاكمة. وانهيار اقتصادي غير مسبوق في لبنان حيث فقدت الليرة اللبنانية حوالي 90% من قدرتها وقيمتها الشرائية، فيما يعيش اللبنانيون حياة يعانون فيها من الحصول على صفيحة بنزين أو علبة دواء أو ساعة تغذية بالتيار الكهربائي أو علبة حليب لأطفالهم، والقائمة تطول وتطول بينما دخل اللبناني الشهري لم يتحسّن ولم يتغيّر وظلّ على ما هو عليه في ظل غياب أيّة حلول جذرية أو أساسية للوضع الاقتصادي. وفضلاً عن الوضعين السياسي والاقتصادي هناك سيولة في الوضع الأخلاقي عند أغلب الطبقة السياسية التي لا تكترث لوضع الناس.

المشهد الحالي الذي يعيشه لبنان من أزمة جعل الرأي اللبناني ينقسم حول طبيعة هذه الأزمة! هل هي أزمة نظام؟ أم أزمة طبقة سياسية؟ أم أزمة كيان؟ وما هو الحلّ الممكن للخروج من هذه الأزمة وهذا التيه الذي يهدد بنتائج كارثية على الجميع؟!

الذين يرون أنّ الأزمة هي أزمة نظام سياسي، وأنّ النظام الحالي الذي يستند إلى وثيقة الوفاق الوطني التي أُقرّت في مدينة الطائف السعودية أواخر عام 1989 ووضعت في حينه حدّاً للحرب الأهلية يرون أنّ هذه الوثيقة لم تعد صالحة اليوم لحكم البلد، وهؤلاء بدأوا رحلة البحث عن بديل لهذا النظام ووجدوا في اعتماد النظام الفدرالي حلّاً ممكناً، وقد انطلق الحديث عن "الفدرلة" بشكل خجول قبل نحو عام في بعض الأروقة السياسية والأكاديمية، ثمّ تحوّل اليوم إلى ورقة ودراسة تحت عنوان "الجمهورية اللبنانية الفدرالية" تمّت مناقشتها قبل أيام في لقاءات رعتها مرجعيات معتبرة، وهذه الدراسة تدعو إلى اعتماد نظام فدرالي على أساس الطوائف والمذاهب، ما يعني الحفاظ على الشكل الجغرافي للبنان وتفريغ ما سوى ذلك من جوهره ومضمونه، ولم يُعرف على وجه الدّقة إذا ما كانت تلك اللقاءات قد اعتمدت هذه الورقة، وإذا ما كانت سترفعها إلى لقاءات منتظرة في بعض العواصم الأوروبية تُعقد مطلع تموز المقبل للغاية ذاتها.

لبنان إذاً خلال الفترة المقبلة أمام مفترق تاريخي سيتحدد فيه مستقبله ككيان ومستقبل النظام السياسي فيه، غير أنّ طرح اعتماد الفدرلة لن يكون حلاّ مضموناً أو ناجعاً للبنانيين، بل ربما ينقل المشكلات إلى مربع كل كانتون طائفي أو مذهبي ويطيح من جديد بكل شيء هذا إذا سلّمنا أنّ تلك الكانتونات التي قد تنشأ عن أي نظام فدرالي لن تدخل في مشكلات مع بعضها البعض.

وبغض النظر عن المقولات التي تتحدّث عن أنّ لبنان بلد صغير يستعصي على التقسيم أو غير صالح للتفتيت، فإنّ أخطر ما في الأمر أن تشكل أيّة مبادرة بهذا الاتجاه تجربة يجري تعميمها لاحقاً على بقية دول المنطقة بحيث تصبح أيّة فدرالية لبنانية محتملة نموذجاً يُعتمد في بقية دول الجوار الملتهب.

أمر آخر لا بدّ من التذكير به وهو أنّ استمرار الأزمة يعني استمرار المعاناة والألم لدى كل اللبنانيين في حين أنّ الحلّ الأجدى والأكثر ضمانة للجميع هو في دولة ضامنة لكرامة المواطنين على أساس من المواطنية التي يتكافأ فيها الجميع بالحقوق والواجبات، ولعلّ التخلّص من الطبقة السياسية المسؤولة عمّا آلت إليه الأوضاع هو بداية قيام هذه الدولة.

د. وائل نجم