العدد 1548 /1-2-2023
د. وائل نجم

شهدت الأيام والساعات الأخيرة سلسلة تحركات إقليمية ودولية دبلوماسية وعسكرية وأمنية كثيفة وسريعة بما أعطى انطباعاً أنّ تحوّلات معيّنة قد يشهدها المسرح الإقليمي والدولي وتنعكس على بعض الأقطار في المنطقة.

فقد قام وزير الخارجية الأمريكي، طوني بلينكن، بزيارات سريعة إلى كلّ من مصر وفلسطين المحتلة وكيان الاحتلال الإسرائيلي عقب التوتر الذي شهدته الأراضي المحتلة في ضوء التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية، وعقب الهجمات التي استهدفت مصنع أسلحة في إيران في مدينة أصفهان وقيل أيضاً أنّها استهدفت أهدافاً أخرى في إيران لم يُكشف ويُعلن عنها.

كما قام وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بزيارة إلى طهران التقى خلالها المسؤولين الإيرانيين وأشار إلى أنّه يقوم بوساطة لدى إيران من أجل إعادة استئناف المفاوضات النووية، وقيل إنّه حمل اقتراحاً أو رسالة أمريكية إلى الجانب الإيراني تتعلق بأكثر من المفاوضات النووية.

وسبق هذا التحرك الدبلوماسي زيارة وزير خارجية إيران، حسين أمير عبدالله هيان، إلى بيروت ودمشق وأنقرة حيث جرى البحث في هذه العواصم في عدد من الملفات العالقة على المستوى الإقليمي.

كما أنّ هذه الفترة شهدت تحركات أمنية وعسكرية في أكثر من مكان. ففي الأراضي الفلسطينية المحتلة ضاعفت قوات الاحتلال الإسرائيلي إجراءاتها واعتداءاتها على الفلسطينيين، وارتكبت بحقهم مجازر بشعة استدعت ردّاً وتصعيداً فلسطينياً ميدانياً وصولاً إلى حديث رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عن تصعيد غير مسبوق ستكون المنطقة مقبلة عليه في وقت قريب.

كما وأنّ إيران، وكما سبق الحديث، شهدت استهدافاً لمصانع أسلحة في أكثر من محافظة، فضلاً عن تعرّض قوافل وشاحنات عند الحدود العراقية السورية إلى غارات من طائرات مجهولة.

وفي الجبهة الروسية الأوكرانية الأمور ليست أفضل حالاً، فالتصعيد والمعارك ما زالت مستمرة، وكلّ طرف من طرفي المعركة يحشد ما يستطيع من قوّة وعسكر استعداداً لمعركة الربيع المقبلة، وقد بدأت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بشكل عام تزويد أوكرانياً بدبابات من أنواع مختلفة ومتطورة وهذا ينذر بحرب برّية وشيكة أو قادمة، في مقابل ذلك تواصل روسيا حشد قواتها لبدء عملية عسكرية جديدة في مطلع الربيع، مع غياب شبه كامل لأيّ حديث عن حلول سياسية. ومن المهم معرفة حجم انعكاس هذه الحرب على المشهد العالمي وليس فقط على دول المنطقة أو الشرق الأوسط.

وإذا ما لاحظنا إحجام دول الخليج، ولا سيما السعودية بشكل أساسي، عن مواصلة دعم النظام في مصر، وهو ما تجلّى بشكل واضح في غياب كلّ من ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وأمير دولة الكويت، عن القمة التي جمعت بعض الدول العربية في "أبو ظبي"، وفي تصريحات بعض المسؤولين السعوديين عن وقف الدعم المالي لمصر، وهو ما قد يكون محاولة ضغط لدفع مصر إلى اتخاذ موقف أكثر وضوحاً واصطفافاً إلى جانب هذه الدول في المرحلة المقبلة.

أمام هذا الحراك وهذا المشهد السياسي والعسكري والأمني يبدو أنّ المنطقة قادمة خلال الشهور المقبلة، إن لم نقل خلال الأسابيع المقبلة، على تحوّلات قد تكون جذرية تعيد خلط معظم الأوراق من جديد وذلك إمّا من خلال صفقة جديدة تعيد ترتيب الأمور بما يوازي ما يجري في الحرب الأوكرانية الروسية، أو من خلال حرب محدودة تفرض قواعد جديدة يكون لها أيضاً تأثيرها على نتائج الحرب الروسية الأوكرانية .

ولبنان جزء لا يتجزأ من هذه المنطقة، وأيّ تحوّل فيها سيكون له تأثيره على لبنان، سلباً أم إيجاباً، وبالتالي فإنّ أيّ حلّ منتظر في لبنان للاستحقاق الرئاسي أو للأزمة الاقتصادية أو لغيرها لن يكون جاهزاً إلاّ بمقدار ما يُنجز من صفقات أو تشتعل حروب.

د. وائل نجم