العدد 1454 /24-3-2021

كشف الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري خلال لقائه الثامن عشر مع رئيس الجمهورية في قصر بعبدا أن الرئيس ميشال عون هو الذي يعرقل ويعطّل تشكيل حكومة مهمّة أو إنقاذ، ويصرّ على حكومة فيها له الثلث المعطّل أو المتحكّم، وأعلن الحريري أمام وسائل الإعلام ومن القصر الرئاسي حيث كان قد خرج لتوّه من اللقاء مع الرئيس عون، أعلن أنّه تلقّى من الرئيس عون ورقة تضمّنت جدولاً بكيفية توزيع مقاعد الحكومة والمرجعيات لكل وزير وعلى قاعدة ملء الفراغات بالاسم المناسب. كما كشف أنّ الصيغ والجداول التي أرسلها الرئيس عون تضمّنت ثلثاً معطّلاً لتيار عون السياسي. وفي مقابل ذلك أكّد الحريري على أنّه أودع الرئيس عون تشكيلة حكومية منذ أكثر من مئة يوم، وهو سيعلنها بالأسماء وتوزيع الحقائب على الإعلام، وأشار إلى أنّ كل من ورد في تلك التشكيلة ليس حزبياً وصاحب اختصاص.

اللقاء الأخير يوم الاثنين الماضي ربما كان القشّة التي قصمت ظهر البعير بين عون والحريري، وربما هو اللقاء الذي كان اللبنانيون بحاجة إليه منذ رفض الرئيس عون تشكيلة الحكومة، أي منذ مئة يوم، حتى يعلم الجميع من يعطّل الحلّ، ومن يعرقل خروج البلد من أزمته الحادّة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغداً ربما على المستوى الأمني.

إنّ تشكيل الحكومة ليس لعة كلمات متقاطعة يتسلّى بها الرئيس المكلف أيّاً يكن هذا الرئيس. وليس أيضاً واجباً مدرسياً لتلميذ في المرحلة الابتدائية أو حتى المتوسطة حتى يملأ الفراغ بالكلمة المناسبة. والمصيبة إذا كان رئيس الجمهورية لا يدرك ذلك حتى هذا الوقت المتأخّر من العمر هذه الحقيقة، أو أنّه يدرك لكنه راح ضحية قرارات المستشارين!!

إنّ تشكيل الحكومة تضبطه مواد دستورية تعطي لكل مؤسسة دورها وصلاحيتها في هذا الموضوع، وقد أناطت المواد الدستورية بالرئيس المكلف حصراً مهمّة تشكيل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية، لا أن يشكل رئيس الجمهورية الحكومة ويحدّد عدد الوزارات ويوزّعها على القوى الطوائف وغير ذلك، ولا يعطي للرئيس المكلف سوى وضع الأسماء في المكان المناسب، وحتى هذه سيكون فيها نقاش وسيطلب رئيس الجمهورية التدّخل في كل اسم.

لقد خرق رئيس الجمهورية بشكل فاضح الدستور أولاً لناحية الرسالة التي وجّهها للرئيس المكلف عبر الإعلام مخيّراً له بين تشكيل حكومة وفق إرادة رئيس الجمهورية وشروطه، أو التنحّي. فكما رئيس الجمهورية منتخب من المجلس النيابي، فإنّ الرئيس المكلّف مكلّف بإرادة المجلس النيابي أيضاً. ثم خرق رئيس الجمهورية الدستور عندما سمح لنفسه أو لفريقه أن يرسل ورقة إلى الرئيس المكلّف تضمّنت كل شيء عن الحكومة سوى الأسماء، ثم بعد فضيحة ذلك خرج قصره على اللبنانيين يدّعي أنّها ورقة تضمّنت منهجية تشكيل الحكومة، على قاعدة المثل الشعبي " إجا يكحلها فعماها". عن أيّة منهجية يتحدث، وهل الرئيس المكلف طالب على مقاعد الجامعة يتعلّم منهجية البحث العلمي؟!!

إنّ ما جرى ليس خرقاً للدستور فحسب، بل مشروع فتنة على المستوى الوطني بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. إذ أنّ محاولة إهانة الرئيس المكلّف بهذه الطريقة ترقى إلى مستوى إشعال فتنة في البلد. فهل يعي صاحب هذه القرارات هذه الخطورة؟ وهل يدرك أنّ قراراته دعوة صريحة للفتنة بين اللبنانيين؟!

حسناً فعل الرئيس المكلّف الذي كشف كل تلك الحقائق من على منبر القصر الجمهوري، ووضع النقاط على الحروف في مسؤولية التعطيل والعرقلة التي تجري، وعليه فإنّ المطلوب هو التالي: عدم السماح لأي طرف باستكمال ما يصح تسميته بالانقلاب على الدستور والقانون، ومحاصرة أيّة دعوة أو موقف يدعو إلى الفتنة، ومن ثم إعداد ملف كامل لمحاكمة أولئك الذين يعبثون بالوطن وبحياة الناس في اللحظة التي تسمح بذلك، وهي حتماً قادمة.

د. وائل نجم