العدد 1457 /14-4-2021

شهدت الساحة السياسية خلال الأيام الأخيرة تحرّكات لافتة في الساحة الإسلامية السنّية على وجه التحديد تمثّلت بشكل رئيسي في اللقاءات التي عقدها رؤساء الحكومة السابقون والتي رسمت نوعاً من التفاهم العريض على السياسات التي ينبغي أن تُعتمد خلال المرحلة المقبلة لمواجهة التحدّيات الوطنية، ويُسجّل في هذا الإطار أيضاً التفاهم الضمني مع رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي يرفض الضغوط التي تمارس عليه من أجل تفعيل عمل الحكومة وكأنّه غير مستقرة، ويعتبر أي منحى بهذا الاتجاه فيه خرق للدستور.

اللافت أكثر في سياق التحرّكات اللقاءات التي عقدها الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان، عزّام الأيّوبي مع مرجعيات وقيادات إسلامية سنّية، وقد أعلن المكتب الإعلامي للجماعة أنّ الأيّوبي التقى خلال الأيام الماضية رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وكذلك رئيسي الحكومة السابقين، نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة، كلٌّ على حدة، وتناولت اللقاءات وفق بيانات مختصرة بحث الشأن العام اللبناني والتحدّيات الوطنية وكيفية سبل مواجهاتها. كما علنما أنّ لقاءات الأيوبي ستشمل أيضاً مفتي الجمهورية، الشيخ عبد الطيف دريان، والرئيس السابق للحكومة تمام سلام، ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، فضلاً عن لقاءات محتملة مع مرجعيات وقيادات من غير المرجعيات الإسلامية السنّية.

ومن الجدير الإشارة إليه أنّ هذه التحرّكات تأتي في لحظة تحدّيات وطنية مهمّة لناحية إيجاد الحلول لانسداد الأفق السياسي وتالياً تشكيل الحكومة، أم لناحية الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردّية التي بات اللبناني يعيش تحت وطأتها في ظل عدم تقديم الدولة للحلول اللازمة التي تحفظ أمن المواطنين الغذائي والاقتصادي.

والحقيقة أنّ انسداد أفق الحل السياسي، ومحاولات أطراف داخلية تكريس أعراف جديدة في مسألة تشكيل الحكومة، مروراً بالحديث عن إعادة النظر بشكل النظام السياسي، وصولاً إلى إعلان البعض أنّ لبنان بات مهدّداً بكيانه وبالتاليفإنّ أطرافاً باتت تدرس إمكانيات أن يتمّ اعتماد شكل جديد للبلد يستند إلى الفدرلة أو اللامركزية الواسعة جداً أو إلى فرض وصاية جديدة على البلد تجعل طرفاً يهيمن بشكل كامل على كل شيء. إنّ كل ذلك أوجد نوعاً من الهواجس عند كل الأطراف، ولعلّ الساحة الإسلامية السنّية وجدت نفسها في هذه اللحظات الفارقة محلياً وإقليمياً أمام مسؤولية القيام بالدور الواجب للحفاظ على وحدة البلد، وعلى نسيجه الاجتماعي، وعلى التوزان القائم فيه، وعلى إيجاد الحلول الممكنة للمرحلة الحالية والمقبلة بما يخرج لبنان واللبنانيين من تلك الأزمات، ويكرّس منطق الدولة والدستور والقانون، ويحفظ كرامة كل المكوّنات، وعليه برزت هذه التحرّكات من أجل تنسيق جهود هذه الساحة، ومن أجل التفاهم على آليات مواجهة تلك التحدّيات، ووضع الرؤى الوطنية العامة التي يمكن أن يرتاح لها كل اللبنانيين.

لبنان اليوم في ظل منطق المحاصصة والكيدية والاستئثار، وفي ظل سعي البعض لاستغلال البلد في حسابات خاصة أو شخصية أو فئوية، وفي ظل الخطر المحدق به وبمكوّناته، يحتاج إلى كل جهد خيّر يعمل من أجل الخروج من الأزمات والحفاظ على البلد لأبنائه مع تطوير صيغة الشراكة القائمة فيه، ولذلك فإنّ التحرّكات التي تجري في الساحة الإسلامية السنّية مهمّة في هذه المرحلة، ومن واجب الجميع التفاعل معها إيجاباً والنظر إليها بعين الاطمئنان، ومن واجب هذه الساحة أن تأخذ بزمام المبادرة أولاً من خلال تحصين صفّها وترتيب أولوياتها للمرحلة، وثانياً من خلال مواجهة التحدّيات الوطنية والاستحقاقات المقبلة على قاعدة بقاء الدولة والحفاظ على المؤسسات وتطوير صيغة الشراكة انطلاقاً من مفهوم التوزان الذي أرساه الدستور.

د. وائل نجم