العدد 1477 /8-9-2021

أزمة المحروقات التي تشمل البنزين والمازوت والغاز وتنعكس على قطاعات الكهرباء والاستشفاء والأفران والنقل وكل شيء في الدولة بلغت مستوى خطيراً ومتقدماً بحيث أنّها باتت تهدّد بانهيار البلد بشكل كامل إذا لم يتمّ التوصل إلى حلّ في أقرب وقت لها.

فأصحاب المحطات يتحدثون عن نفاد المخزون عندهم، ويشيرون إلى أنّ الكمّية التي ما زالت متوفّرة لديهم تكفي فقط إلى منتصف الشهر الجاري. ومصرف لبنان يمتنع عن فتح اعتمادات لشراء النفط إلاّ على سعر منصّة صيرفة، أي على سعر يفوق 16 ألف ليرة للدولار، وهو ما يعني أنّ هناك فرقاً بين السعر الذي حدّدته وزارة الطاقة للبنزين والمازوت وغيره، وبين السعر الحقيقي الذي سيتم دفعه، وهنا يبادر الجميع إلى سؤال: من سيدفع الفرق؟ اللقاء الذي جرى في قصر بعبدا قبل أسبوعين تقريباً تمّ الاتفاق فيه على أنّ الفرق في السعر ستتكفّل به الحكومة أو وزارة المالية وليس المصرف المركزي، ثمّ عادت الأمور ودخلت ببعضها ولم يعد المواطن يفهم من سيدفع الفرق ولا كيف يحصل على البنزين والمازوت، حتى أنّ الكثير من المحطات باتت تقفل أبوابها بشكل دائم تحت حجّة أنّه ليس لديها أيّ مخزون من البنزين أو المازوت، بينما تباع صفيحة البنزين أو المازوت في السوق السوداء بأضعاف سعرها الرسمي. طبعاً كل ذلك خلّف أزمة انعكست على كل القطاعات وهدّدت بإقفال الكثير منها، خاصة المستشفيات.

الحديث اليوم يجري على رفع الدعم الكلّي عن المحروقات خلال الأيام المقبلة، أي قبل منتصف الشهر الجاري، وهذا يعني أنّ سعر صفيحة البنزين قد يصل إلى حوالي 300 ألف ليرة أو أكثر، وسعر صفيحة المازوت قد يصل إلى 200 ألف ليرة أو أكثر، والسؤال: من أين يأتي الناس بسعر هذه الصفيحة أو تلك للانتقال إلى أعمالهم أو استمرار هذه الأعمال في وقت ما زال القسم الأكبر من اللبنانيين يتقاضون رواتب زهيدة قياساً بسعر صرف الدولار حيث لا يتخطّى راتب أغلب اللبنانيين من الموظفين في القطاعين العام أو الخاص المئة دولار أو أقل، وفي بعض الأحيان القليلة يكون الراتب أكثر من مئة دولار! هذا يعني أنّ راتب اللبناني لن يساوي في أحسن الأحوال أكثر من 5 صفائح بنزين. والسؤال الآخر، ماذا عن بقية احتياجات المواطن؟ ماذا عن الكهرباء التي يحدّثنا بعض أصحاب المولدات الخاصة أن سعر الكيلو الكهرباء إذا ما تمّ رفع الدعم سيصبح 8000 ليرة؟ وماذا عن النقل ويحدثنا العاملون في هذا القطاع أن كلفة الانتقال (السرفيس) قد تصبح أكثر من 45 ألف ليرة؟ وماذا عن الدواء وقد أصبح أرخص دواء في الصيدليات بملبغمئة ألف ليرة وما فوق؟ كيف لهذا المواطن اللبناني أن يتحمّل ويستمر ويبقى ملتزماً بالنظام والقانون والحياة الطبيعية؟!

إنّ ما ينتظر لبنان خلال المرحلة المقبلة خطير للغاية، فاللبناني الذي لن يكون له قدرة على تحمّل أعباء الحياة الكثيرة لن يصمد ولن يستمر بهذا الواقع، سيلجأ إمّا إلى الهجرة وترك البلد، والأفق أمام ذلك ليس مكفولاً ولا مبشّراً، وإمّا أنّه سيلجأ إلى تأمين حاجاته من طرق غير مشروعة وغير قانونية. عبر السرقة والسلب والفوضى والعنف وغيرها. إنّ ذلك يعني دخول لبنان في المجهول الكبير. ولذلك فإن المرحلة المقبلة خطيرة جدّاً وتنذر بفوضى عارمة إذا ما تمّ رفع الدعم دون تأمين بدائل اجتماعية تخفّف من وطأة المرحلة.

جرى الحديث خلال الأيام الماضية عن وصول النفط الإيراني إلى لبنان خلال الأيام المقبلة. إنّ ذلك يمكن أن يخفّف من وطأة الأزمة ويسرّع في حلّها، لكنّه بكل تأكيد لا يمكن أن يكون البديل أو الحلّ السحري لها. إن لبنان اليوم أمام مفترق خطير والخروج من الأزمة ليس أمراً سهلاً ولا بسيطاً حتى ولو جرى تشكيل حكومة في أي وقت!

د. وائل نجم