العدد 1462 /19-5-2021

محاولة اقتحام المسجد الأقصى المبارك يوم الثامن والعشرين من رمضان الفائت، ومحاولة اقتلاع أهالي حيّ الشيخ جرّاح في القدس من بيوتهم ومنازلهم أشعل انتفاضة عارمة في عموم الربوع الفلسطينية تحوّلت إلى حرب مفتوحة وعدوان إسرائيلي على قطاع غزّة المحاصر وقد انبرت مقاومة غزّة للدفاع عن أهل القدس وعن المسجد الأقصى ونفّذت وعدها ووعيدها باستخدام القوّة للدفاع عنهم، مغيّرة بذلك قواعد الاشتباك التي كانت قائمة وهو ما لم يقبل به كيان الاحتلال فصبّ جام غضبه على غزّة وأبراجها السكنية وبنيتها التحتيّة ظنا منه أنّه بذلك يجبر المقاومة الفلسطينية على الرضوخ ورفع الراية البيضاء.

ردّة الفعل الفلسطينية الأولى على العدوان الإسرائيلي كانت باشتعال الضفة الغربية والقدس واندلاع مواجهات فيها بين الشبّان الفلسطينيين وقوات الاحتلال، وكذلك لم يختلف الأمر في مناطق ما يُسمّى بأرض 48 أو فلسطين التاريخية والتي صدمت قادة الكيان الإسرائيلي.

على المستوى الخارجي فجّرت انتفاضة القدس الغضب الجماهيري العربي والإسلامي والحرّ في كل بقاع العالم، فشهدت مدن وعواصم عربية وإسلامية وأوروبية فعاليات وتحركات مؤيدة للشعب الفلسطيني ورافضة للعدوان الإسرائيلي بحقه.

في لبنان تحرّكت الجماهير الغاضبة إلى الحدود مع فلسطين المحتلة للتأكيد على دعم الشعب الفلسطيني من أقرب نقطة منه.

والجدير بالذكر أنّ لبنان يحتضن أكثر من مئة وخمسين ألف لاجىء فلسطيني في مخيمات منتشرة وموزّعة على المحافظات اللبنانية، وقد عانى لبنان من غطرسة الاحتلال الإسرائيلي على مدار قرابة عشرين عاماً، فضلاً عن أنّ جزءاً من أراضيه في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ما زال محتلاً، ناهيك عن أطماع "إسرائيل" بغاز ونفط لبنان حيث فشلت المفاوضات غير المباشرة بوساطة أمريكية ورعاية أممية في التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، اندفع الناس من اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين إلى منطقة الحدود للتعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني في مسيرات وفعاليات وتجمّعات شعبية أعلنت تأييدها للشعب الفلسطيني ورفضت العدوان الصهيوني عليه، فيما حاول بعض الشبّان، أكثر من مرّة، اقتحام الحدود وتجاوز الأسلاك الشائكة ودخلوا في مواجهات مباشرة مع قوات الاحتلال التي أطلقت الرصاص وقنابل الغاز عليهم ما أدّى إلى إصابة البعض واستشهاد شاب لبناني في تلك المواجهات. كما وأنّ جهات مجهولة أطلقت أكثر من مرّة صواريخ في أوقات مختلفة من الأراضي اللبنانية باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة وكان آخر هذه الصواريخ ليلة الاثنين – الثلاثاء. كلّ ذلك أكّد تضامن الشعب اللبناني مع الشعب الفلسطيني غير أنّه فتح نقاشاً من جديد حول ضرورة حياد لبنان عن صراعات المنطقة بالنظر إلى الأوضاع التي يعيشها ويعانيها.

ومسألة الحياد اقترحتها وطالبت بها قوى سياسية لبنانية ومرجعيات سياسية ودينية منذ قرابة ستة أشهر أو أكثر وذلك عندما تمّت الدعوة إلى اعتماد الحياد وعدم إقحام لبنان في صراعات ومحاور المنطقة، وقد جاء هذا الموقف على خلفية ما يجري في البلدان العربية المجاورة من صراعات، غير أنّ ذلك لم يكن يشمها وقتها في دعوة أصحاب تلك الدعوة الحياد في مسألة القضية الفلسطينية، فلبنان جزء من حالة التضامن مع فلسطين إذا لم يكن جزءاً من هذه القضية حيث يصرّ اللبنانيون واللاجئون الفلسطينيون على حقّ العودة إلى فلسطين، فضلاً عن الملفات العالقة مع الاحتلال والتي تمّ الإشارة إليها أعلاه.

اليوم وفي ضوء ما يجري للشعب الفلسطيني من حملة إبادة تقوم بها قوات الاحتلال من خلال القصف الجنوني الهستيري على قطاع غزّة من جهة، ومحاولات اقتلاع أهالي حيّ الجرّاح من منازلهم من جهة ثانية، وسياسة الاستيطان القائمة على قدم وساق في الضفة الغربية من ناحية ثالثة، كل ذلك يدفع إلى الاعتقاد والقول إنّه لا حياد ينفع مع هذا المشهد الذي يفضح جريمة الاحتلال بإبادة الشعب الفلسطيني، والذي قد ينشحب في أية لحظة إلى لبنان، فأطماع "إسرائيل" في لبنان واضحة ولا يمكن إخفاؤها بأيّ شكل من الأشكال.

لقد ردّد البعض دعوات إلى الحياد حتى عن نصرة الشعب الفلسطيني، وهذه الدعوات أكاد بها قد رفضت حتى مجرد التظاهرات المتضامنة مع هذا الشعب عند الحدود مع فلسطين المحتلة، وليس إطلاق الصواريخ أو فتح الجبهة مع الاحتلال، لكن هذه الدعوات لم تتحدث عن كيفية إعادة الفلسطينيين إلى ديارهم، ولا عن الأطماع الإسرائيلية بمياه لبنان ونفطه وغازه وكيف يمكن الحفاظ عليها واستثمارها، ولا عن كيفية استعادة الأراضي المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. فقط تريد أن يكون لبنان جزيرة معزولة عن محطيه العربي، وهذا ما قد يجعله ذات يوم فريسة سهلة للاحتلال، فهل هذا هو الحياد المطلوب؟! د. وائل نجم