العدد 1539 /30-11-2022
د. وائل نجم

تستمر حالة المرواحة والفراغ في سدّة الرئاسة الأولى في ظلّ عدم تمكّن المجلس النيابي من انتخاب رئيس جديد على الرغم من عقْد المجلس النيابي سبع جلسات لهذه الغاية، والسبب بات معروفاً للجميع، وهو منطق التعطيل من أجل الحصول على المكاسب الخاصة والشخصية أو الحزبية أو الفئوية الضيّقة ويكاد الجميع يكون منخرطاً فيها من دون استنثاء.

وقبل فترة غيّبت المراوحة المتعمّدة فرص تشكيل حكومة أصيلة على الرغم من إجراء الانتخابات النيابية في الخامس عشر من شهر أيّار الماضي، وعلى الرغم من الجهود التي بذلها الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل هذه الحكومة قبل انتهاء ولاية ميشال عون، والسبب أيضاً وأيضاً كان منطق التعطيل من أجل الحصول على المكاسب.

تستمر حالة المراوحة من دون إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية التي لم يشهد لها لبنان مثيلاً في تاريخه، إذ بلغ مستوى الفقر حدود 80% من اللبنانيين، ومستوى البطالة حوالي 40% ، والليرة اللبنانية فقدت حوالي 90% من قيمتها أمام العملات الأجنبية، ومستوى دخل الفرد تراجع بشكل كبير جدّاً حتى أنّ اللبناني خسر ما يقرب من 90% من قيمة دخله الشهري بالليرة اللبنانية، والأسواق شهدت جنوناً للأسعار، والمصارف حجزت على أموال المودعين، وكلّ هذا الواقع الاقتصادي المأزوم انعكس أيضاً على الواقع الاجتماعي فشهد لبنان خلال الفترة الماضية نزوحاً للطاقات العلمية من أطباء ومهندسين ومحامين وغيرهم إلى الخارج، كما شهد نقصاً في أعداد القوى والأجهزة الأمنية والعسكرية بعد عمليات الفرار أو ترك العمل في هذه الأجهزة بسبب تدنّي مستوى الدخل والراتب. كما انعكس هذا الواقع الاقتصادي على الحالة الاجتماعية لناحية الأسرة فارتفعت نسبة الطلاق في المحاكم، وتراجعت نسبة الإقبال على الزواج، وزادت نسبة الهجرة غير الشرعية إلى بقية دول العالم.

والسؤال الجوهري والأساسي الذي بات على كل لسان، إلى متى ستظل هذه المراوحة مستمرة وطاغية ومتحكّمة بحياة اللبنانيين؟ أما آن للمسؤولين أن يدركوا أن استمرار حالة المراوحة يزيد من انسداد أفق الحلول السياسية من ناحية، ويفاقم حجم الأزمة الاقتصادية من ناحية ثانية، وينذر بفوضى اجتماعية قد تتحوّل في أيّة لحظة إلى فوضى أمنية في الشارع؟! ألا يدرك أولئك أنّ البلد بات بحاجة إلى حلول اليوم قبل الغد؟! وإلى فك الرهان على الخارج، بل بالأحرى فك الارتباط بالخارج الذي يستخدم لبنان ساحة لتأمين مصالحه من ناحية والضغط على خصومه من ناحية أخرى. بمعنى آخر تحوّل لبنان عند الخارج إلى ساحة لتصفية الحسابات.

كفى لبنان مراوحة في ظل تسارع الخطى نحو الانهيار. كفى تسخيراً للبنان في خدمة مشاريع الغير. كفى رهاناً على تطويع لبنان وشعبه ليكون جزءاً من دائرة هنا أو محور هناك.

لبنان يا سادة وُجد من أجل أن يكون لكلّ أبنائه ومكوّناته على قاعدة الشراكة الكاملة العادلة التي تضمن للجميع حقوقهم وواجباتهم، أمّا محاولات الاستئثار به من أيّ طرف أو فريق فسيكون مدعاة لرفض الأطراف الأخرى واللجوء إلى كلّ ما هو متاح للحفاظ على التوازن القائم فيه.

إنّ بداية الحلول تبدأ من انتخاب رئيس جديد للبلاد في أقرب وقت دون تعطيل أو تأجيل أو تسويف، ومن ثمّ تشكيل حكومة جامعة تعكس إرادة اللبنانيين وإجراء إصلاحات حقيقية ضمن جو من الحوار الهادىء الذي يكفل استكمال تطبيق وتنفيذ اتفاق الطائف، ومن ثم تطوير ما يلزم منه، وإلاّ فإنّ لبنان مهدّد بالانهيار على المستوى الأمني إذا ظلّت هذه الأزمة الاقتصادية عاصفة، وإذا ظلّت الأبواب موصدة أمام الحلول السياسية، وإذا ظلّت المراوحة سيّدة الموقف، وعندها قد تأتي اللحظة التي يندم فيها الجميع على ما فات .

د. وائل نجم