العدد 1458 /21-4-2021

أن يعمد أحد الموطنين إلى مخالفة القوانين فهذا أمر قد يحصل في أيّ بلد من البلدان حتى تلك التي يحرص مواطنوها على التقيّد بالقوانين، وبالطبع هذا يحتّم العقوبة بغض النظر عن حجم المخالفة.

وقد يكون مفهوماً، أو قد يتفهّم الرأي العام أن يقوم رجل أمن مثلاً بمخالفة القوانين فيخضع للعقوبات، وإن كان المفترض برجال الأمن أن يكونوا الأكثر حرصاً على التقيّد بالقوانين لما يمثّله زيّهم الرسمي ويوحيه إلى الناس بالثقة والاستقرار.

غير أنّ قاضياً ورجل قانون يعمد إلى مخالفة القوانين ويضرب بها عرض الحائط فهذا ما لا يقبله منطق فطري أو عقل عقل سليم. فرجل القانون والقاضي منوط بهما حفظ حقوق الناس والتزام واحترام القوانين المعمول بها حى يكونوا قدوة صالحة لبقة المواطنين.

ما فعلته مدّعية العام الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون فاق كل تصوّر وخيال، وتجاوز كل القوانين المعمول بها، إذ أنّ مشهد اقتحامها لمكتب صيرفة بعد أن كفّ النائب العام للدولة يدها عن الملف وكلّف قاض آخر بمتابعته يُعدّ انتهاكاً فاضحاً للقوانين المعمول بها، وتعدّ صارخ على القضاء والقانون وحقوق الناس، وهو يستدعي العقوبة التي تقرّرها المواد الناظمة لعمل القضاء، وهو ما قام به مجلس القضاء الأعلى.

لقد وجّهت القاضية المعنيّة ضربة معنوية كبيرة للقضاء اللبناني، وبغض النظر عن نواياها من مسألة الملف الذي كانت مكلّفة به، إذ أنّ عدم امتثال قاض للقوانين يمثّل دعوة صريحة للمواطنين إلى عدم التزام القوانين وتحدّي القضاء وتجاوز هيبة وسيادة الدولة. وإذا ما سقطت هيبة وسيادة الدولة فقد سقط الاعتبار وبدأ الانهيار وتلاشى كل شيء، فهل تتحمّل القاضية المذكورة هذه المسؤولية؟

لكنّ الشيء الذي لا يمكن التغاضي عنه وتجاوزه هو أنّ القاضية عون ما كانت لتجرؤ على القيام بخطوتها، ولا بخطواتها السابقة في أكثر من ملف لولا الغطاء السياسي الذي حمى تجاوزاتها في ملفات سابقة، وقد كشف ذلك حجم التدخّل السياسي في القضاء، وحجم التأثير من قبل السلطة السياسية على القضاء والقضاة، ولعلّ في وضع التشكيلات القضائية في أحد أدراج القصر خير دليل على حجم التدخّل السياسي في سلطة يُفترض أنّها مستقلة عن بقية السلطات!

وأمّا القضية الأخرى الأخطر هي في محاولة ترهيب القضاء والقضاة من خلال الدفع بمجموعة من الأنصار والتابعين لتيارات سياسية بهدف منع القضاة من القيام بوظيفتهم ومهمتهم، والأنكى من ذلك إثارة ملف القاضية محل النقاش على خلفية طائفية مذهبية بهدف إثارة النعرات الطائفية والمذهبية وهو أمر مستنكر ومستهجن ويدعو إلى التنبّه، بل ويرقى إلى درجة تهديد السلم الأهلي والاستقرار العام.

قديماً قيل : إنّ العدل أساس الملك"، بمعنى أنّ القضاء الذي يضمن الحقوق لكل المواطنين يشكّل ضمانة كبيرة لاستقرار البلد واستمراره والتداول السلمي على السلطة فيه، غير أنّ تدمير القضاء وإشاعة الفوضى والمحسوبية فيه، والتدخّل السياسي سيطيح عاجلاً أم آجلاً به، وسيجعل المواطنين أقل ثقة بالمنظومة القضائية، وبالتالي سقوط الهيكل.

إنّ ما حصل في القضاء ليس بسيطاً ولا سهلاً، وإنّ قرار مجلس القضاء الأعلى بإحالة القاضية المنتهكة للقوانين إلى التفتيش القضائي قد لا يكون كافياً لاستعادة ثقة المواطنين به، فضلاً عن أنّ ذلك لا ينبغي أن ينسي القضاء أنّ المطلوب أيضاً استمكال التحقيق في الفساد والأموال المنهوبة لأنّها الشعار الذي كانت تتحرك تحته القاضية المحالة وتتخذ منه ذريعة لتصرفات خالفت فيها القوانين في حين أنّ المطلوب أيضاً كشف الحقائق في كثير من الملفات حتى يتمّ حفظ حقوق الناس.

د. وائل نجم