العدد 1536 /9-11-2022
د. وائل نجم

شهد قصر الأونيسكو في بيروت انعقاد مؤتمر وطني في الذكرى الثالثة والثلاثين لإبرام اتفاق الطائف، وذلك بدعوة ورعاية من سفير المملكة العربية السعودية في لبنان، وليد البخاري، وسط حضور وطني جامع من مختلف الأطياف والمكوّنات اللبنانية، وأممي مثّلته المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان السيدة يوانا فرونتيسكا، والدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي الذي تولّى الوساطة بين الأطراف اللبنانية وصولاً إلى إبرام اتفاق الطائف في العام 1989.

ولمن لا يعرف اتفاق الطائف فهو الاتفاق الذي وقّع عليه النوّاب اللبنانيون في العام 1989 برعاية المملكة العربية السعودية والمجتمع الدولي في مدينة الطائف السعودية، ووضع حدّاً للحرب الأهلية التي عصفت بلبنان على مدار خمسة عشر عاماً تقريباً، من العام 1975 حتى نهاية العام 1989 .

وقد أدخل الاتفاق بعض التعديلات على النظام السياسي الذي كان قائماً، ومن أبرز هذه التعديلات أنّه جعل السلطة في يد مجلس الوزراء مجتمعاً بعدما كانت بيد رئيس الجمهورية، وأوضح آليات تكوين السلطة من خلال تعديل بعض المواد الدستورية. باختصار يمكن القول إنّ اتفاق الطائف نقل لبنان من الجمهورية الأولى إلى الجمهورية الثانية، التي باتت محكومة بنظام سياسي قائم على نسبة كبيرة من التوازن بين المؤسسات من ناحية وبين المكوّنات اللبنانية من ناحية ثانية.

يعيش لبنان اليوم مع انتهاء ولاية رئاسة الجمهورية للرئيس السابق ميشال عون أزمة سياسية حادة، حيث لم يتمكّن المجلس النيابي حتى الساعة من انتخاب رئيس جديد للبلاد.

لقد حاول البعض أن يضع الملامة على هذا الانسداد في الأفق السياسي على النظام السياسي المستند إلى اتفاق الطائف، وراح يطرح تغيير النظام وبالتالي تغيير المعادلة وفرض واقع جديد، ولعلّ ما أثار حفيظة المنادين بتطبيق الطائف أولاً تلك الدعوات لإطلاق حوار وطني يتناول كلّ شيء بما في ذلك النظام السياسي، وهذه مسألة خطيرة تدخل لبنان في مزيد من الأزمات في ظل انعدام التوازن الداخلي لأسباب كثيرة.

لقد استشعر جزء كبير من اللبنانيين أنّ الشغور الرئاسي الحالي، وعدم وجود حكومة أصيلة، وانسداد أفق الحلول، والأزمة الاقتصادية الخانقة وصفقة ترسيم الحدود كلّها أمور قد تفضي إلى الإطاحة باتفاق الطائف لصالح إنتاج نظام سياسي جديد تكون فيه الغلبة لفئة دون غيرها. وكذلك استشعرت المملكة العربية السعودية، راعية الاتفاق في العام 1989، أنّ هذا الاتفاق مهدّد فعلياً، وأنّ الصيغة اللبنانية مهدّدة، ولذلك بادرت إلى رعاية هذا المؤتمر الوطني الذي ضمّ طيفاً واسعاً من المكوّنات اللبنانية كافة أكّدوا جميعاً على التمسّك باتفاق الطائف وبكل مندرجاته، ودعوا إلى تطبيق ما لم يُطبّق منه، وإلى تطوير ما يحتاج إلى تطوير بعد مرور هذا الوقت الطويل، لكنّهم جميعاً رفضوا فكرة المؤتمر التأسيسي الذي قد يؤسّس لحرب أهلية جديدة لبنان والمنطقة بغنى عنها.

د. وائل نجم