العدد 1407 / 1-4-2020

د. وائل نجم

عندما صدرت مراسيم تشكيل حكومة الرئيس حسّان دياب، كان الرجل يؤكد أنّ حكومته مستقلة، وغير تابعة لأية جهة سياسية، ووزراءها أصحاب كفاءة ليس لهم ارتباطات حزبية أو بقوى سياسية، وأنّها حكومة مواجهة التحدّيات.

يومها رفضت بعض قوى الحراك الشعبي وانتفاضة السابع عشر من تشرين الأول هذه الحكومة، واتهمتها بالارهان لبعض القوى السياسية حتى ذهب البعض إلى وصفها بأنها حكومة حزب الله تحديداً وحصراً. فيما أعطتها بعض قوى الحراك الأخرى فرصة لإثبات استقلاليتها وحيادها وكفاءاتها وعملها لإخراج البلد من الأزمة، وارتضت أن تسكت عنها برضا وقبول أو من غير ذلك. وكذلك فعلت القوى السياسية التي انقسمت، في الموقف من الحكومة، بين من رفضها وعارضها وطالب بإسقاطها ورحيلها، وبين من أعطاها فرصة على اعتبار أنّ وجود الحكومة أفضل من الفراغ.

اليوم وبعد مضي قرابة المئة يوم على الحكومة وعلى عملها وأدائها، "البحر كذّب الغطّاس" على ما يقول المثل الشعبي.

لقد ثبت بالجرم المشهود أن الحكومة ليست مستقلة عن القوى السياسية التي دعمتها، بل وشاركت في تشكيلها، وأمّنت لها الثقة في المجلس النيابي، بل هي تابعة وبشكل فاضح ومكشوف لتلك القوى السياسية التي لم تعد تختبىء خلف أصبعها وترفض الاعتراف بتبنّي هذا المولود كما كان حاصلاً في الأيام والأسابيع الأولى، خاصة عندما كان الحراك الشعبي في ذروة تصاعده.

اليوم باتت القوى السياسية تجاهر، ومن دون أدنى حسابات، بمصادرة قرار الحكومة، بل بالاعتراف أنها هي التي شكّلتها ورسمت خريطة طريقها وكل ما يتعلق بها.

لقد جاء ملف استعادة اللبنانيين من الخارج في ظل أزمة "كورونا" ليؤكد ذلك. فقد هدّد رئيس المجلس النيابي نبيه برّي بالانسحاب من الحكومة إذا لم تقرّ آلية لاستعادة اللبنانيين من الخارج، وهذا يعني فيما يعنيه أنّ القوّة السياسية التي يرأسها الرئيس برّي، وهي حركة أمل، حاضرة وممثلة بالحكومة من خلال بعض الوزراء، وبالتالي فإن ذلك يدحض كل الشكوك عن استقلالية الحكومة عن القوى السياسية، وحيادها عنها. وبالفعل استجابت الحكومة في الجلسة الأخيرة التي عقدتها بالسراي الحكومة لمطلب الرئيس برّي، وأقرّت آلية لاستعادة اللبنانيين، وبغض النظر عن حق أولئك بالعودة إلى بلدهم الأصلي في ظل هذه الأزمة المتفشيّة.

ثم جاء ملف التعييات في بعض المواقع المالية المتصلة بحاكمية مصرف لبنان والهيئات المشرفة أو المراقبة لعمل المصارف، وهنا أيضاً برز الدور السياسي للقوى السياسية إذ ظهر أن التيار الوطني الحر حاول جاهداً مصادرة المواقع المخصصة للطائفة المسيحية في هذه المواقع، وهو ما حدا برئيس تيار المردة، سليمان فرنجية، بالتهديد والتلويح بالخروج من الحكومة إذا لم يصار إلى الاستجابة لمطلبه ومنحه بعض تلك المواقع. وهنا أيضاً يكتشف اللبناني حجم التدخل السياسي في هذه الحكومة، وحجم استقلاليتها واستقلالية قرارها، ليتأكد له بما لا يدع مجالاً لأي شكّ أنّ هذه الحكومة هي حكومة محاصصات وليست حكومة حياد واستقلالية قرار.

وأمام منطق المحاصصة والمصالح الضيّقة. وأمام عدم اتعاظ البعض من الأجواء التي نعيشها، والوباء الذي يهدّد البلد بشكل كامل، وأمام مشهد التهديد والتلويح والاستفزاز يبدو أنّ هذه الحكومة باتت مهدّدة بانفراط عقدها من داخلها، أو على أقلّ تقدير إذا ظلّ "الفاعل الأساسي" ممسكاً بها، مانعاً انهيارها، فإنها ستكون أكثر عرضة لسخط اللبنانيين وانتقادهم، وستجد نفسها أمام ثورة حقيقة في أول فرصة تسمح للناس بالتحرك الميداني بعد تراجع "كورونا".

لقد منح الناس حكومة مواجهة التحدّيات فرصة لإثبات جدّيتها واستقلاليتها وحيادها، ولكنّها بكل أسف سقطت في الامتحان والاختبار، ولم تتمكّن من استعادة ثقة الناس، ولن تستطيع ذلك على الرغم من شفقة الناس عليها بالنظر إلى الوضع العالمي الذي يواجه "كورونا" وقلة حيلة هذا العالم في مواجهة الفيروس. ومن دون أن يعني ذلك التشكيك بكفاءة أو حتى نزاهة بعض الوزراء فيها.

حكومة مواجهة التحدّيات سقطت بعد قرابة المئة يوم في أبرز تحدّي وهو استعادة ثقة الناس وأثبتت أنها من جديد حكومة المحاصصات والقوى المنتفعة من كل الفوضى التي مرّت وربما التي يتمّ صنعها تحت عنوان تنظيم مواجهة مخطار الفيروسات المهدّدة لحياة البشر.

بيروت في 1/4/2020