العدد 1470 /14-7-2021

قبل بضعة أشهر وأثناء مؤتمر صحفي لرئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، في قصر بعبدا ردّ الرئيس على سؤال لأحد الصحفيين حول الاتجاه الذي يسير نحوه لبنان بالقول : "رايحن عجهنم". اليوم وفي ظل سياسة العهد والقوى المتحالفة معه، بل سياسة كل الطبقة السياسية لبنان يعيش وسط "جهنم" اقتصادي، حياتي، سياسي يكتوي فيه اللبنانيون بنار الغلاء من ناحية، وارتفاع الأسعار من ناحية أخرى، وانعدام السلع الأساسية من ناحية ثالثة، وانهيار قيمة الليرة اللبنانية ومعها القدرة الشرائية للمواطن من ناحية رابعة، وألخ من الأمور التي حوّلت لبنان، هذا البلد الذي كان يوصف بانّه "سويسرا" الشرق لجماله وهدوئه واستقراره، إلى "جهنم" حياتية معيشية اقتصادية خلّفت وراءها الكثير الكثير من المآسي والأزمات التي لا تنتهي فصولاً، وجعلت أبناءه يكفرون به ويفضّلون الرحيل عنه إلى أي مكان من بقاع الأرض يجدون فيها الأمن والاستقرار والكرامة والمستلزمات الأساسية للحياة الكريمة.

لبنان اليوم يعيش وسْط هذه "الجهنم" لكن السؤال من الذي أوصل البلد إلى هذه الحالة؟ من الذي يتحمّل مسؤولية الانهيار؟ من الذي يتحمّل مسؤولية الفشل والفوضى والفساد وانهيار الدولة وسقوط كل الاعتبارات التي كانت سائدة والتي كانت إلى الأمس ما تزال ترى في لبنان ملاذاً آمناً حتى أنّ بعضهم عبّر عن ذلك عندما قال " نيّال مين عنده مرقد عنزة بلبنان".

اليوم وفي ظل سياسة المناكفة والكيدية ومحاولات الاستئثار بكل شيء. في ظل منطق المحاصصة السائد، والتعطيل الذي بات سمة أساسية للعهد، واختلاق المشاكل تحت عنوان الصلاحيات الدستورية، والدستور منها براء. اليوم وفي ظل ما وصلت إليه الأمور في لبنان بات اللبناني، بل ربما الكثير منهم لا يقيم أيّة قيمة أو اعتبار لتلك المقولة التي كانت رائجة، بل على استعداد لترك البلد وبيعه بأبخس الأثمان والهجرة إلى أيّة بقعة في الأرض؛ فالوطن هو الكرامة والراحة والشعور بالذات والانتماء. الوطن هو الحرية التي يتنفسها الناس، والكرامة التي يشعرون بها عند كل مفصل، وهذا هو المفقود في هذا الوطن بفضل تلك السياسات، وبفضل النهج المتبع في التعطيل والعرقلة واختلاق المشكلات. لكل ذلك بات اللبناني على ساعداد للهجرة، ليس لأنّه يكره هذا الوطن، بل لأنّ الطبقة الحاكمة والسياسات القائمة هي التي جعلته "يكفر" ويكره هذا البلد الجميل، ويعمل أو يبدي استعداده للرحيل إلى حيث الأمن والاستقرار، ولعلّ المسؤول الأول عن كل ما آلت إليه الأوضاع والأمور هو من يعطّل ويعرقل الحلول ويختلق المشكلات تحت عنوان استعادة الصلاحيات والامتيازات في الوقت الذي نعيش فيه في القرن الحادي والعشرين وكلّ الأمم والخلائق تنادي بالمساواة والتكافؤ والحقوق والواجبات، بينما من عندنا هنا ما زالوا يعيشون بالماضي ويحنّون إليه وهم لا يدركون أنّهم يهدمون الحاضر وكل الجسور التي بُنيت على مدار عقود بين مكوّنات البلد التي لا تحتاج إلى حرب صلاحيات بين أولئك المحتكرون لكل شيء في البلد حتى لنسمات الهواء. تلك المكوّنات عاشت مع بعضها قروناً ومستعدة لتعيش مع بعضها قروناً أخرى، وليس لها في نزاعات أولئك المحاصِصون أيّ نصيب يُذكر.

لبنان اليوم يحتاج للشروع في رحلة بحث من أجل الخروج من "جهنّم" التي تحدث عنها البعض، لأنّه لم يكن يرى سوى جهنم ولا يفكّر سوى بها، في حين أنّ اللبنانيين يرنون للجنّة ويعملون كي يعيشوها على الأرض قبل أن يعيشوها في السماء. لبنان اليوم بحاجة من أجل الخروج من وسْط هذا الوضع الذي تمّ وضعه فيه بفضل تلك السياسات، يحتاج إلى رحيل تلك الطبقة المسؤولية، وفي مقدمتها رأسها الذي لم يرَ من لبنان الجمال سوى "جهنّم" التي تراوده ويراودها، فإذا كان يتطلع إلى "جهنّم" فإنّ اللبنانيين يرنون إلى الجنّة ويريدون وطنهم على هيئتها، فآن لتلك الطبقة أن تشعر بالمسؤولية وأن تفتح الطريق للخروج من التيه أو لتتقدّم هي إلى جهنم ولتدع اللبنانيين يخرجون إلى حيث يمكن أن يعيشوا بسلام مع بعضهم في لبنان الذي كان ذات يوم يشبه إلى حدّ بعيد جنّة وارفة الظلال على الأرض.

د. وائل نجم