العدد 1486 /10-11-2021

ماذا لو غيّرت بعض القوى السياسية مواقفها؟

كل التركيز والاهتمام في لبنان بات تجه صوب الانتخابات النيابية المقبلة التي ستجري يوم السابع والعشرين من آذار المقبل إذا صفت النوايا عند الجميع. القوى السياسية، الكتل النيابية، الأفراد، الجماعات والأحزاب والجمعيات، وسائل الإعلام، كل أولئك صوّبوا اهتمامهم نحو الانتخابات ونسوا أو تجاهلوا الأزمة العاصفة التي يمرّ بها البلد على المستوى الاقتصادي والحياتي، ولعلّ السبب في ذلك يكمن في أمل اللبنانيين أن تشكّل هذه الانتخابات منعطفاً يبدأون معه الخروج من الأزمات وحالات الركود المتواصلة. يمعنى آخر الجميع ربما يرى في الانتخابات فرصة للإنقاذ.

ولكن ماذا لو؟

ماذا لو لم تجرِ الانتخابات في وقتها المقترح أو المحدّد، أي يوم السابع والعشرين من آذار المقبل، وهذا بالطبع احتمال قائم بالنظر إلى تهيّب بعض القوى من نتائج الانتخابات، وبالتالي العمل على تأجيلها أو ترحيلها إلى وقت بعيد، وهناك من القوى السياسية من يتمنّى ذلك، بل ربما يعمل له. أو ربما بسبب تيقّن الخسارة لطرف فاعل من الأطراف الأساسية التي تتحكّم بمقاليد الأمور في البلد. ماذا لو حصل التأجيل، أو الترحيل أو التمديد للمجلس النيابي؟ عند ذلك سنكون أمام دوّامة جديدة من الأزمات التي لا تُحتمل، وسنكون أمام مجلس نيابي مطعون بشرعيته، ولكم أن تتخيّلوا ما سيرافق ذلك من سجال ومعارك وشد وجذب.

ماذا لو حصلت الانتخابات، وهذا أيضاً احتمال قائم ولا يمكن الجزم بخلافه. ولكن ماذا لو انسحبت بعض القوى السياسية الرئيسية من المشهد السياسي بشكل كامل أو جزئي. ماذا يمكن أن يحصل؟ وقد جرى الحديث في الصالونات السياسية أنّ رئيس تيار المستقبل، رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، أخبر محازبيه والمقربين منه أنّه لن يترشّح إلى الانتخابات المقبلة، ولن يخوض الانتخابات، وأنّ تيار المستقبل أيضاً لن يخوض الانتخابات، ومن يرغب بذلك من أبناء التيار فعليه أن يخوض المعركة بشخصه ومفرده. كما جرى الحديث أن الحريري لن يخوض الانتخابات بشخصه ولكنه سيدعم وسيحيل ثقة جمهوره إلى أحد المقربين منه، ويجري الحديث عن شخصية بيروتية بارزة في التيار. وإذا صحّت هذه الرواية، وليس هناك إلى الآن ما يدحضها أو يكذّبها أو يفنّدها، فهذا يعني أنّ المستقبل انسحب من المواجهة الانتخابية وترك فراغاً كبيراً في الساحة السنّية. والسؤال هنا التالي: من يملأ هذا الفراغ بشكل كلّي أو جزئي؟ تأتي الإجابة عند كثيرين أن ورثة التيار في هذه الحالة سيكونون كثر. الشخصيات البارزة في التيار نفسه ستكون أبرز الورثة وهم بالمناسبة كثر وموزّعين بين المناطق. الشخصيات السياسية التقليدية في المناطق ستكون أحد الورثة. التيارات الإسلامية ستكون أحد الورثة وأبرزها الجماعة الإسلامية إذا أحسنت هذه التيارات التعامل مع هذه الفرصة من خلال إظهار نفسها كمرجع وحامي للسنّة في زمن الضعف والانكفاء، وهذا لا يكون بالظهور بمظهر الوريث لسياسات المستقبل. قد يكون من بين القوى التي يمكن أن ترث المستقبل خصوم المستقبل من الأحزاب والقوى السياسية التي كانت تناصبه "العداء" وهنا يأتي الحديث عن المصالح عند الناس بعد انكفاء المستقبل وتراجعه وانسحابه. وأمّا إذا ما فضّل زعيم المستقبل أن يخوض الانتخابات بشخصية من التيار غيره، فهذا يعني أنّ المستقبل دخل معركة هو ابتداءً قد خسر نصفها. لأنّ الناس قد تثق برئيس المستقبل ولكنّها لا تثق بأي شخصية يمكن أن يختارها الرئيس. وأمّا عن احتمال أن يكون من بين الورثة شقيق الرئيس سعد الحريري، فهذا وارد أيضاً ولكنّه أيضاً يصطدم بكثير من العقبات التي لا تجعله الوريث الوحيد. خلاصة القول إن المستقبل الذي تراجع دوره وحضوره خلال السنوات الماضية، مقبل على أزمة أكثر تعقيداً قد تدفع الساحة السنّية بشكل أساسي ثمنها إذا لم تحسن إدارة هذه المرحلة بحكمة ووعي واقتدار.

ماذا لو حصل تبدّل بالتحالفات؟ وهذا أيضاً احتمال قائم في الانتخابات المقبلة على خلاف الانتخابات الماضية في العام 2018. فعلى سبيل المثال فإنّ حزب الله الذي ينظر إلى ما يجري على أنّه جزء من معركة إقليمية هدفها تحجيم ما يسمّيه قوى المقاومة في المنطقة على خلفية تصفية القضية الفلسطينية، سيعمل من أجل قطع الطريق على القوى المناهضة له حتى لا تستأثر بالأكثرية النيابية انطلاقاً من حسابات تتصل بالوضع الإقليمي، بمعنى آخر، بتحدّيات الوضع في المنطقة والإقليم، أكثر مما سينطلق من حسابات لها علاقة بالداخل اللبناني، وفي هذه الحالة يمكن أن يجد له مساحات جديدة من التحالفات التي توفّر له فرصة لمواجهة التحدّيات خاصة في الساحة السنّية التي تشهد حالة فراغ جراء تراجع المستقبل، وهنا يبرز الحديث عن إمكانية نسج تحالف بين حزب الله وبعض المكوّنات السنّية القوّية شعبياً ومن بينها الجماعة الإسلامية على سياسات واضحة لها علاقة بالتحدّيات الإقليمية من ناحية وببناء الدولة من ناحية ثانية. وفيما لو حصلت مثل هذه التحالفات فإنّها أيضاً قد تخلط الكثير من الأوراق لناحية نتائج الانتخابات النيابية المقبلة.

ماذا لو قرّر التيار الوطني الحر مقاطعة الانتخابات؟ وهذا احتمال وإن كان ضعيفاً إلاّ أنّه قد يكون وارداً في أية لحظة بالنظر إلى تراجع التيار شعبياً، وفي محاولة لخلط الأوراق في الساحة المسيحية؟ ماذا لو حصل ذلك؟ لا شكّ أنّه سيكون له تأثير كبير، فنسبة المشاركة المسيحية يمكن أن تتراجع وهذا يعطي فرصة للتشكيك والطعن، كما وأنّ الأصوات المشاركة ستذهب إلى قوى أخرى وهذا يعني إنتاج قوى جديدة قد يكون من بينها ما يُعرف بالمجتمع المدني.

كل هذه احتمالات قائمة وإن كانت نسبة بعضها من التحقيق ضئيلة ولكنّ حصول واحدة منها كفيل بتغيير المعادلة والخروج بنتائج انتخابات مخالفة لكل التوقّعات.

د. وائل نجم