العدد 1437 / 18-11-2020

د. وائل نجم

دخل لبنان حيّز الإقفال التام والشامل اعتباراً من يوم السبت 14 تشرين الثاني 2020، وذلك تطبيقاً وإنفاذاً لتوصية مجلس الدفاع الأعلى في سبيل مواجهة تفشّي وباء "كورونا" أو في سبيل استعادة القطاع الصحّي لأنفاسه التي استهلكت خلال الفترة الماضية.

وبغض النظر عن دستورية هذا القرار من عدمه، إذ أنّ هناك من يقول إنّ القرار ليس دستورياً لأنّ قرار إعلان التعبئة العامة أو حالة الطوارىء أو الإقفال العام والشامل هو حقّ حصري لمجلس الوزراء مجتمعاً، والمجلس في حالة تصريف أعمال ولم ينعقد، لذلك فإن القرار ليس دستورياً، وبالتالي فإنّ الاجهزة التي تقوم بتنفيذه هي المخالفة قبل مخالفة أي مواطن للخروج أو الولوج أو الاقفال أو الفتح أو ما سوى ذلك. وبغض النظر أيضاً عن مدى التزام المواطنين بالإقفال أو التزام الأجهزة المعنيّة بتطبيقه، وهنا كلام يطول ويطول حيث يشار إلى أنّ بعض المناطق تشهد إقفالاً في مقابل مناطق ومدن أخرى تعيش كما لو أنّها في كوكب آخر، أو في دولة أخرى. فضلاً عن أنّ بعض الأجهزة المعنيّة تقوم بما تعتبره دورها في إنفاذ القرار لناحية الاقفال الإجباري، في حين أن أجهزة أخرى تكاد تكون غير معنيّة، بل أكثر من ذلك قد تكون سبباً في عدم الإلتزام بالإقفال. بغض النظر عن كل ما يمكن قوله إن قرار الإقفال التام سواء كان دستورياً وقانويناً أم لا، وسواء كان التطبيق كاملاً أم ناقصاً، يمكن القول إنّ قرار الإقفال ليس الحلّ الحقيقي والصحيح لمواجهة فيروس "كورونا" ، أو لاستعادة القطاع الصحي تعافيه واستعداده لمواجهة الموجة الثانية أو الثالثة أو غيرها، وذلك للاعتبارات التالية:

أولاً : إن قرار الإقفال لم يأت متوازناً حيث أنّه لم يوازن بين الأزمة الصحيّة التي خلّفها فيروس "كورونا" وهي بالطبع خطيرة ولا يجب الاستهانة بها، وبين الأزمة الحياتية المعيشية التي يعيشها المواطن، وهي لا تقلّ خطراً ولا ينبغي الاستهانة بها ولا التقليل من حجمها وخطرها. لقد نظر القرار إلى الموضوع الصحي وتجاهل الأزمة الحياتية المعيشية التي تتفاقم يوماً بعد يوم في ظل تراجع القدرة الشرائية لليرة اللبنانية، وفي ظل تراجع فرص العمل في البلد، وفي ظل أقفال العديد من المؤسسات الاقتصادية أبوابها وصرف الكثير من العمال الذين انضموا إلى صفوف العاطلين عن العمل. لقد فرض القرار على المواطنين الحجر في منازلهم وعدم الذهاب إلى ما تبقّى من أعمالهم في وقت لم تؤمّن لهم الحكومة أو الجهات التي اخذت القرار الحدّ الأدنى من العيش الكريم. فكيف يمكن أن تستقيم الأمور، وكيف لمكن لربّ أسرة أن يبقى في منزله محجوراً في وقت يتضوّر أبناؤه جوعاً ويسألون عن لقمة عيش تكفيهم يومهم؟!.

ثانياً : إنّ القرار لم يوازن أيضاً بين الوضع الصحّي وبين الوضع الاجتماعي المتفاقم أيضاً والذي ينذر بانفجار اجتماعي قد يطيح بكل شيء. بإمكان المعنيين أن يراجعوا محاضر مخافر الدرك في المناطق وما تُسجّله من عمليات سرقة وسطو و"تشليح". بإمكانهم الإطلاع على عمليات السرقة اليومية التي تطال المحال التجارية والمنازل والسيارات والمارّة وغيرهم. بإمكانهم الإلتفات إلى حجم الشكاوى بين الناس على أبسط الأمور والمسائل. بإمكانهم معرفة أعداد حالات الطلاق التي تحصل من خلال مراجعة المحاكم. أليس كل ذلك من أسباب الأزمة والإقفال والحجر والقلّة و"القرف" من هذا البلد؟!

ثالثاً : إنّ قرار الإقفال جاء وطال المؤسسات التي لا تشكّل خطراً حقيقاً أو أنّها تسهم بشكل أساسي في عملية تفشّي الوباء، أو تعيق العمل الطبّي. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد منع القرار أصحاب المهن البسيطة والحرّة كـ "المعمرجي" و "الحدّاد" و "النجّار" وغيرهم من العمل مع العلم أنّ هؤلاء وأمثالهم ينجزون أعمالهم بمفردهم ومن دون احتكاك أو اكتظاظ أو خلافه، منعهم من العمل وأقفل أبواب رزقهم، وترك في مقابل ذلك المحلات الكبرى (المولات والسوبرماركت) تعمل وهي التي تشهد الاكتظاظ والاحتكاك وغيره. لقد أقفل القرار أبواب رزق البسطاء والذين يعملون بمفردهم، حتى أنّ أحدهم تندّر بالقول إن القرار طال رعاة الماعز في أعالي قمم الجبال ومنعهم من الخروج بماشيتهم، وأعطى الاستثناءات للذين ربما يكونون محل خطر حقيقي في مسألة تفشّي الوباء.

لهذه الأسباب إنّ أقلّ ما يمكن أن يقال في القرار إنّه لم يشكّل أساساً لحلّ الأزمة التي وُجد من أجلها، بل على العكس من ذلك فاقم أزمات أخرى، وبات من باب الأوْلى بالمسؤولين الذين اتخذوه أن يراجعوه ويعيدوا النظر به لطفاً بهذا الشعب المسكين.

إنّ العديد من الدول التي أصيبت مثلنا بـ "الكورونا" لم تلجأ إلى الإقفال العام والشامل مع قدرتها على مساعدة مواطنيها وتأمين السبل اللازمة لصمودهم وحجرهم، بل تشدّدت في بعض المسائل التي تكون أساسية في مواجهة الوباء، ومن ذلك ارتداء الكمامة، وقد آن لمن هم في سدّة المسؤولية أن يفعلوا شيئاً صحيحاً ومتوازناً رأفة بهذا الشعب المسكين.