العدد 1481 /6-10-2021

لم تعد الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي تلتف كلّ يوم على رقاب اللبنانيين تعني الكثير بالنسبة للكثيرين منهم، ليسوا لأنّهم نسوا هذه الأزمة أو لأنّهم غير متأثّرين بها أو لأنّهم لا يبالون حيالها، بل لأنّهم اتجهوا حالياً إلى ما يعتبرونه أهمّ منها أو أساس مصيبتها، توجّهوا إلى الاستحقاق الانتخابي المقبل في الربيع المقبل؛ إلى استحقاق الانتخابات النيابية في أواخر شهر آذار المقبل.

لقد باتت الانتخابات النيابية الهاجس الأساسي للجميع. للقوى السياسية، لما يُسمى المجتمع المدني، للدول الراعية والمهتّمة بلبنان، وحتى لأغلب اللبنانيين. الجميع ينظر إلى هذا الاستحقاق على أنّه الحدث المفصلي الذي يمكن أن يغيّر وجهة لبنان. أو يمكن أن نقول إنّ التعويل بات على هذا الحدث من أجل تغيير وجهة لبنان. القوى الممسكة اليوم بتلابيب القرار اللبناني ومعها الأكثرية في المجلس النيابي تريد الحفاظ على هذا المكسب. والقوى الأخرى المنافسة تعمل بكل ما تملك من أمكانية من أجل كسب الأكثرية النيابية إلى جانبها، وما بين هذين الأمرين، أو ما بين ما يريده كل فريق يتم استخدام الأسلحة المتاحة والممكنة المحرّم منها والمشرّع على حدّ سواء، ومن ذلك الحصار والتضييق واختلاق الأزمات ومن ثم حلّها، ومن بينها أيضاً التلويح بالفوضى أو التهديد بالقوة أو غير ذلك من المتاح والممكن، لأنّ الجميع المعني، خاصة من اللاعبين الكبار المدعومين خارجياً أو بالأحرى الذين يخوضون معركة الخارج على أرض الوطن، يريدون الأكثرية النيابية إلى جانبهم أيّاً يكن الثمن بعد ذلك، أو أيّاً تكن الضحية حتى لو كان لبنان نفسه.

المؤسف أنّ هذه السلطة استطاعت أن تجرّ الناس إلى مربّعها من جديد عندما استطاعت أن تصوّر أنّ استحقاق الانتخابات النيابية أهمّ من لقمة عيشهم، وأنّه أخطر عليهم من الجوع والفقر والعوز وانعدام الخدمات الأساسية التي من المفترض أنّها من بديهيات الحقوق التي ينبغي أن تكون مصانة ومحفوظة للمواطن، لكن للأسف الشديد بات هذا المواطن يرى أنّها ليست أكثر أهمية أو أشد خطراً عليه من الاستحقاق الانتخابي، وهذا يقودنا إلى الحديث بأسف أيضاً عن النتائج التي ستترتب على هذه الانتخابات من جديد، والرسالة تُقرأ من العنوان كما يقولون، فإهمال القضايا الحياتية التي تمسّ حياة المواطن لحساب الاستحقاق الانتخابي يعني أنّ النتائج ستعيد إنتاج هذه السلطة من جديد، ويعني أنّنا سنعيش الدوّامة ذاتها من جديد أيضاً.

مفهوم أن تنظر السلطة وأحزابها والقوى الخارجية المساندة لها إلى الاستقحاق الانتخابي على أنّه أولوية الاولويات، فبقاء هذه السلطة وبقاء المتحكّمين بها مرهون بنتائج هذا الاستحقاق، ولكن من غير المفهوم أن يكون الاستحقاق أولوية لدى الناس على قاعدة التحدّيات والأوهام والهواجس التي صنعتها السلطة لهم من أجل إعادة إنتاجها من جديد. لو انصب اهتمام الناس على الاستحقاق كأولوية من أجل التغيير فلا إشكالية في ذلك على الأطلاق، بل هو المطلوب لأنّه الفرصة الحقيقية للخروج من نفق الأزمة، ولكن أن يكون الاهتمام على قاعدة الهواجس المصطنعة فهذا يعيد إنتاج المسؤولين عن المأساة فضلاً عن أنّه يضاعف من حجم الأزمة.

إلى الانتخابات النيابية في الربيع المقبل دُر، هذا صحيح، ولكن على قاعدة التغيير وليس على قاعدة إنتاج الطبقة المسؤولة عن مآسينا وأوضاعنا وآلامنا وأزماتنا. ليس على قاعدة الانصياع لإرادة الخارج الذي يريد ان يستغلّ كلّ شيء فينا وعندنا لحسابه الخاص ومصلحته الشخصية الخاصة. ليس على قاعدة الخوف من بعضنا والتمترس خلف القيادات التي تصنع الأزمة ثمّ تأتينا بالحلّ على حسابنا وعلى حساب أبنائنا.

إلى الانتخابات النيابية المقبل دُر، ولكن على قاعدة المحاسبة والمساءلة وإنتاج قيادة جديدة لا تكون مرتهنة لإرادة سفارة هنا أو قوّة إقليمية هناك أو مشروع مشبوه هنالك. إلى الانتخابات النيابية دُر من أجل التعافي والنهوض بالبلد من جديد، لتكن الأزمة الحياتية والمعيشية الخانقة إحدى الأسباب التي تدفع اللبنانيين هذه المرّة إلى ثورة صناديق تطيح بالرؤوس التي لطالما تاجرت بلبنان على مدى عقود.

د. وائل نجم