العدد 1480 /29-9-2021

بات في حكم المؤكّد أنّ تحدّي الانتخابات النيابية المقبلة المقرّرة في الربيع المقبل هو التحدّي الأساسي والأبرز لكل من الحكومة والأحزاب السياسية وحتى الدول المهتّمة أو الفاعلة في الداخل اللبناني، فالجميع يعوّل على هذه الانتخابات لإحداث صدمة سواء كانت إيجابية لنفسه وسلبية لمنافسه أو كانت غير ذلك، وبالتالي فإنّ جهود الجميع باتت منصبّة على هذا التحدّي من دون إغفال التحدّيات الأخرى بالنسبة لكل طرف أو جهة.

الإسلاميون في لبنان على تنوّعهم الفكري والفقهي يجدون أنفسهم معنيين بهذا التحدّي والاستحقاق لكثير من الاعتبارات، فهم جزء من الساحة الوطنية، ولبعضهم تجربة نيابية غنيّة، فيما لبعضهم الأخر تجربة مشاركة بالانتخابات، ويتطلّع الجميع إلى المشاركة انطلاقاً من حسابات بعضها يتصل بتأمين الحضور والدور وبعضها يتصل بتأمين نوع من الدرع الواقي في زمن استهداف ما يُطلق عليه "الإسلام السياسي".

من الواضح أنّ أغلب، إن لم نقل كل الشخصيات والجمعيات والهيئات المصنّفة في خانة القوى والحركات الإسلامية، وما يصحّ أن نطلق عليه مجازاً "إسلاميو لبنان" بدأت تبدي استعدادها للمشاركة في الاستحقاق الانتخابي إمّا اقتراعاً أو ترشّحاً أو الأمرين معاً. غير أنّ هناك قوى إسلامية عريقة في هذا الإطار ولها تجربة نيابية وسياسية لا يُستهان بها، وهنا تبرز الجماعة الإسلامية بشكل أساسي التي شاركت على مدى الدورات الانتخابية السابقة ترشّحاً واقتراعاً ولكان لها نواب في المجلس النيابي في أكثر من دورة انتخابية، فيما لم يحالف الحظ والفوز قوى أخرى شاركت في العمليات الانتخابية لأسباب ليس محل ذكرها هنا، بينما تطوّر الخطاب والفعل عند شخصيات وهيئات إسلامية كانت تعتبر المشاركة في الانتخابات النيابية نوعاً من المخالفة الشرعية المحرّمة، وإن كان بعض الشخصيات والهيئات مصرّاً على رأيه بالموضوع، في حين قاطعت أحزاب وشخصيات أخرى الانتخابات انطلاقاً من مبدأ سياسي وليس عقائدياً.

اليوم وكما ذكرنا في مقالة سابقة حول التحدّيات التي تواجه الساحة الإسلامية في لبنان، فإنّ هذا التحدّي يواجه كل الإسلاميين اللبنانيين، ويفرض عليهم التعامل معه بطريقة مختلفة وإلاّ فإنهم جميعاً قد يخرجون منه بدون أيّة نتيجة تُذكر. وعليناً أن نتذكّر أنّ الإسلاميين فاجأوا كلّ الأوساط في العام 1992 في أول انتخابات نيابية بعد الحرب المشؤومة حيث فاز ثلاثة من مرشحيهم حينها في بيروت والشمال، وشكّلوا كتلة نيابية أدّت دوراً بارزاً ومهمّاً في المجلس النيابي على مدى أربع سنوات من العام 1992 حتى العام 1996 وكنْت قد أعدّدت رسالة ماجستير حول هذا الموضوع وتتبّعت فيها جزئيات وتفاصيل ما قام به النوّاب الإسلاميون في تلك المرحلة ووجدّته مهمّاً ولافتاً للغاية وإن كان غير منظور لكثير من الناس الذين يرون في الخدمات التي يقدّمها أو يوفّرها النائب هي الأساس.

على كلّ حال فإنّ التحدّي الأساسي الذي أراه أمام الإسلاميين في الاستحقاق المقبل يكمن ابتداءً في ترتيب صفّهم ورصّه بشكل جيّد، وأظن أنّهم إنْ فعلوا ذلك، وليس هناك ما يمنعهم، قادرون وفق القانون الانتخابي المعمول به، قادرون على تخطّي العتبة الانتخابية في أكثر من دائرة انتخابية، وبإمكانهم الوصول إلى الندوة النيابية وتمثيل الشرائح التي تثق بهم وتحمل توجهاتهم وتطلعاتهم، وهي كبيرة وكثيرة، كما أنّهم قادرون على التأثير في مسار الكثير من الأحداث والسياسات في البلد، ولا يستخفنّ أحدٌ بذلك ويعتبر أنّ كل شيء يأتي مرسوماً من الخارج.

وأمّا الأمر الآخر فهو يجب أن يتحلوا بالواقعية التي تفتح أمامهم سبل التعاون والتكامل مع الكثير من الأطراف المشاركة الأخرى على قاعدة "حلف الفضول" أو التخفيف من الفساد والتمهيد أمام قيام مجتمع المواطنية التي تسوده العدالة ويعلوه القانون.

د. وائل نجم