العدد 1642 /11-12-2024
د. وائل نجم
وحقّق
الشعب السوري المجاهد ما كان يتطلّع إليه، وما بذل في سبيله الدماء الزكيّة
السخيّة، ونال حريّته بعد إسقاط أعتى نظام عرفته المنطقة، بل ربما العالم في
التاريخ الحديث. حقّق الشعب السوري نصره على النظام المخلوع على الرغم من كلّ
الدعم والتأييد من منظومات الفساد والاستبداد العالمية، ومن المؤامرات التي اشترك
فيها أحياناً الأشقاء والأقرباء أكثر مما شارك فيها الأعداء والخصوم.
لقد سطّر
الشعب السوري أروع أنواع الانتصارات بإسقاطه النظام الذي ظلّ جاثماً على صدر
السوريين لأكثر من نصف قرن من الزمن، كانت سياسته فيها البطش والتنكيل والإجرام
بحق الشعب الذي يعشق الحريّة والكرامة والعزّة.
لقد خرج
الشعب السوري في العام 2011 يطالب بإصلاحات بسيطة توفّر له الحدّ الأدنى من الحرية
والكرامة والعيش الرغيد، فإذا بالنظام الذي لا يعرف سوى البطش والإجرام واللجوء
إلى العنف والقوّة يبطش بالشعب السوري ويرتكب بحقذه ابشع وأروع أنواع البطش
لإرهابه وتخويفه وإسكاته وإخضاعه وصولاً إلى استخدام الأسلحة الكيماوية المحرّمة
دولياً بحقّه، مدعوماً من كلّ قوى الشرّ في العالم التي إمّا ساعدته تحت عناوين
وذرائع مختلفة، وإمّا تغاضت عن أفعاله وإجرامه، وإمّا سهّلت له سبل الإجرام، وإمّا
أمّنت له الحماية من العقاب، وإمّا أنّها منعت إسقاطه بألف طريقة وطريقة. لقد أمن
ذاك النظام المخلوع العقاب فأسأ التعامل والتصرّف، بل أجرم بحقّ شعبه من دون أن
يخشى المحاسبة، والأنكى من ذلك ذهب يروّج مقولته الشهيرة أنّه يواجه حرباً كونية
عالمية لأنّه يقف موقفاً مشرّفاً من قضية الأمّة المركزية فلسطين، وتحت هذا الشعار
ارتكب مجازره وإجرامه.
غير أنّ الشعب السوري الذي دفع فاتورة عالية
من دماء أبنائه، ومن تهجيرهم في أصقاع الأرض، ومن اعتقال عشرات الآلاف منهم في
معتقلات الموت كما تكشّف أخيراً بعد إسقاط النظام، أصرّ على المواجهة، ورضي أن
يدفع الضريبة، ضريبة التحرّر من هذا الظلم، فأعدّ وجهّز ووضع الخطط والبرامج
والتفاصيل الدقيقة لما بعد إسقاط النظام، واغتنم بعد ذلك اللحظة المناسبة ووجّه
الضربة القاضية والقاسمة للنظام ولداعميه، فأسقاطه في عشرة أيام كانت كفيلة بنقل
سوريا من ضفة إلى أخرى، وكانت كفيلة بتصفية مشاريع عديدة للنيل من الشعب السوري
ومصالحه، حتى أنّ كلّ الذين كانوا يقفون خلف النظام ويدعمونه بدأوا يرقصون على
أشلائه ويقدّمون أوراق الاعتماد لدى قادة الثورة السورية.
أمّا
الحقيقة الأخرى التي انكشفت أيضاً فهي في حماية وحراسة هذا النظام على مدى خمسين
عاماً لكيان الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يقلّ إجراماً، فما إنّ تمكّنت فصائل
الثورة من تحرير دمشق حتى شرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي في قصف ما سمّته الأسلحة
الاستراتيجية، ومن بينها الوثائق، حتى لا تقع بأيدي الثوّار وتكون مصدر قوّة
لسورية الجديدة.
التحدّي
الأساسي الآن أمام السوريين بعد إسقاط النظام هو في بناء دولة حديثة يكون فيها
القانون هو الحاكم، وتكون فيها المحاسبة هي الأساس، دول لكلّ السوريين ليس فيها
امتيازات سوى على أساس الكفاءة وخدمة سورية. دولة تحتضن قضايا الأمة فعلاً لا
شعاراً، وتمارس العدالة الانتقالية وليس الانتقائية.
وأمّا بقية
شعوب المنطقة فإنّ الدرس السوري كفيل بإعادة الأمل لهم، وشحذ هممهم من أجل التخلّص
من كلّ أنواع الاستبداد والاحتلال لبناء منطقة تسودها العدالة كما كانت على مرّ
العصور.
د. وائل نجم