العدد 1474 /18-8-2021

أكثر من عام مرّ على جريمة انفجار مرفأ بيروت من دون أن تتوصّل التحقيقات حتى الساعة إلى المجرم المسؤول عن الجريمة أو المتسبّب بها أو المنخرط فيها ولو بشيء بسيط.

وقبل أيام حلّت باللبنانيين، وهذه المرّة بالعكّاريين تحديداً مأساة جديدة، وكأنّه لا يكفيهم المآسي والمعاناة والويلات التي يعيشونها، فانفجر خزّان حديد كان قد ملىء بالوقود والبنزين على وجه التحديد، ربما بهدف التهريب إلى خارج الأراضي اللبنانية، وقد أدّى الانفجار إلى سقوط عدد من شبّان منطقة عكّار وأهلها ممن تجمّعوا هناك على أساس أنّهم سيحصلون على بعض من هذا البنزين الذي افتقدوه في المحطات والأسواق، غير أنّ قدرهم كان بانتظارهم. كما أصيب بالانفجار العديد من الأشخاص.

الجامع المشترك بين الانفجارين في آب 2020 و2021 هو الفساد. الفساد الذي غطّى على تواجد مواد قابلة للاشتعال والانفجار في مرفأ بيروت لسنوات. والفساد الذي رعى احتكار مواد قابلة للاشتعال والانفجار وخزّنها من أجل تهريبها أو بيعها بأسعار جنونية في خزّان حديدي في بلدة التليل بعكّار.

في انفجار مرفأ بيروت حلّت كارثة كبيرة ببيروت وبكل الوطن. وفي انفجار عكّار حلّت كارثة لا تقلّ تأثيراً بأبناء عكّار وبكل الوطن أيضاً، والمسؤول عن الكارثتين هو الفساد والفاسدين المرعيين من شخصيات وقوى سياسية محتكرة ومهيمنة ولصوصية تنهب البلد وتقتل أبناءه وتصادر قراره وثرواته وخيراته، وتتاجر بمستقبل أبنائه.

حيثما حلّت كارثةٌ فتّش عن الفساد. هل كان للذين خزّنوا نيترات الأمنيوم في مرفأ بيروت أن يفعلوا ذلك لولا الفساد الذي حماهم ووفّر لهم الغطاء الكامل لهذه الفعلة الشنيعة؟! هل كان لمحتكري البنزين والمازوت الذين خزّنوا هذه الكمية التي انفجرت في بلدة التليل، وتلك الكميّات المصادرة من أكثر من مكان في لبنان، والتي كان يمكن أن تنفجر بالناس في أيّة لحظة لولا الفساد المستشري في كل أوصال الدولة وحتى المجتمع؟! وهل كان للفساد أن ينمو ويزدهر ويتمدّد لولا نفوذ القوى السياسية من ناحية، وضياع القيم من ناحية ثانية، وانعدام الاخلاق على المستويات كافة من ناحية ثالثة؟!

إنّ كارثة انفجار التليل في عكّار، واكتشاف الكميّات الكبيرة المخزّنة والمحتكرة من قبل تجّار ومواطنين ومسؤولين وشركات وغيرهم كشف حجم الفساد المستشري في كل أوصال المجتمع. كشفت كيف يشارك بجريمة الإجهاز على ما تبقّى من الوطن السياسي والتاجر والرئيس والوزير والنائب والمسؤول والكبير والصغير والمواطن والثائر وكلّ أولئك، ولكن كلّ منهم على طريقته وبحسب قدرته وإمكاناته. كشفت حجم الانهيار الاخلاقي والقيمي الذي جعل المسؤولين في سدّة السلطة والمسؤولية لا يكترثون لما جرى ويجري، ولا يتحرّك فيهم حسٌّ وطني أو إنساني أو غيره فيبادروا إلى التنازل والتحرّك بمسؤولية من أجل الخروج من هذا النفق المظلم ومن هذه الأزمة العاصفة، ومن خلال تشكيل حكومة تبدأ عملية المعالجة الحقيقية. كشف أيضاً حجم اللامبالاة عند المواطن الذي بات مهدّداً بحياته واستقراره ومستقبله ولقمة عيشه ومع كل ذلك راح يصبّ جام غضبه على أخيه المواطن في حين أن الأخير يعاني كغيره من إخوانه المواطنين، بينما الواجب أن يتوجّه هذا الغضب إلى المسؤول الحقيقي عن مآسينا وويلاتنا.

وبعد الاكتشافات التي تمّت، من خلال الكوارث وبدونها بات معروفاً لدى القاصي والداني أنّ الجميع مشارك في الفساد، إمّا انخراطاً، وإمّا حماية، وإمّا تسهيلاً، وإمّا تواطؤاً، وإمّا خوفاً ألخ .. ولا تعني بعد ذلك العناوين التي يتخذها البعض لتبرير الفساد أو تشريعه!!

إنّ اللبنانيين باتوا بحاجة إلى خطوة جدّية حقيقية تضع حدّاً لهذا الفساد، ومعه للذين يحمون الفاسدين أو يمارسونه، وذلك وقبل أي شيء من خلال الخروج من حالات التقوقع الضيّقة التي حبسوا الناس فيها، وتقديم الهموم اليومية المشتركة بين كل اللبنانيين على غيرها من القضايا والهموم، فما يجمع الناس من هموم يومية لا تفرّق بين مسلم ومسيحي، ولا بين متحزّب وغير متحزّب، ولا بين كيبر وصغير، كفيلة بأن تجعل الجميع ينصهرون في بوثقة واحدة لوقف عجلة الانهيار قبل الانفجار، وإلاّ فإنّ الفساد والفاسدين والمشتركين بهما سيقضون ما نا تبقّى من أمل بنهضة هذا الوطن.

د. وائل نجم