العدد 1459 /28-4-2021

ما أصعب الموت وأقسى فراق الأحبة!، لقد عاد بي الزمن ثلاثين عاماً إلى الوراء، لأرى ابتسامة مشرقة وإيماناً عميقاً وإخلاصاً نقياً وعزماً فتياً.. لكنَّ كلَّ ذلك تلاشى في لحظة عندما قال لي أخي الدكتور أحمد فرج: "توفي الأخ سامي!" كان نبأ صاعقاً، فقد خبا نور الشمس، وهوى النجم الساطع، وغاب عن هذه الدنيا من كنت أتسقَّط أخباره وهو بعيد فلا أرى فيه إلا التمسك بالمبدأ، والحرص على الدعوة، والثبات على الحق، وكان دائماً كما عرفته المسلم الأصيل الذي لم تغيره المدنية ولم تعبث بروحه حضارة الغرب ومغريات المادة.

اتصلت بي شقيقتي تخبرني قبل أسبوع أنه طريح الفراش في المستشفى إثر إصابته بكوفيد 19، بعدما ابتلي بهذا الوباء الذي تغلَّب على جسده، وهو الذي لم تنل المحن من عزيمته، ولا أثَّر الغرب في صفاء طويَّته، ونقاء سريرته، وطهارة مقصده ونيته. اتصلت مطمئناً لكنَّ الأخبار لم تكن مشجعة، ولم يكن أمامي إلا الدعاء! دعوت له ولمست محبته في صدق دعاء المحبين من الأصدقاء والإخوان والمعارف والقريبين. كنت أعرف حراجة وضعه الصحي، لكنَّ نبأ موته كان فاجعة أدمعت العين وأنا أتساءل فيما بيني وبين نفسي: أأحزن لفراقه وهو الأخ الحبيب والصديق القريب؟ أم أفرح له وهو الملائكيّ التقيّ النقيّ الطاهر العَلَم، الذي أمضى حياته داعية إلى الله تعالى، يحمل همَّ الدين وواجب الدعوة، يعيش على الأرض وروحه معلقة بالسماء، وقد ارتقى إلى المكان الأمثل حيث كان ينشد، بين الملائكة عند ربٍّ غفور رحيم؟!

ذهب إلى فرنسا يطلب العلم بنقاء قلبه وصفاء أخلاقه، وعاد منها علىما كان عليه من نقاء وصفاء، جاء إلى خربة روحا فكان زينة شبابها وريحانة مسجدها وطليعة المؤمنين بالإصلاح المجتمعي فيها. ما زلت أذكر حرصه على الخير وحبه للعلم وهو يأتيني صباح كلِّ جمعة مع أخيه أخينا زياد، مشياً على الأقدام، من خربة روحا إلى الرفيد، لحضور درس علمي ولقاء تربوي، أتعلم فيه منه أكثر مما يتعلم مني، لا يمنعه من ذلك برد ولا ثلج، ولا حرٌّ ولا قرٌّ، بإرادة لا تعرف التردُّد، وعزيمة ليس فيها قاموسها معنى للخور، فالهدف عنده واضح والوسائل محدَّدة والطريق مرسومة والله هو الغاية.

سافر إلى كندا وأقام فيها إقامة من ينشد الحقَّ ويبحث عن الخير. والحقُّ عنده دين ودعوة، والخيرُ عنده تبشير وتبليغ، وقد وجد ضالته في الرابطة الإسلامية الكندية (MAC) The Muslim Association of Canada وشبابها المؤمن، فكان واحداً منهم، ورائداً بينهم، يحضر دروس علمائهم ويحاضر في شبابهم، وينظِّم الملتقيات والمخيمات، والنشاطات والبرامج والفعاليات، ممَّا جعله مرشح إخوانه لحمل المسؤولية في غير موقع، فكان بها جديراً وعليها أميناً، حتى ذاع صيته كناشط في الدعوة، ثقةٍ مأمون، صادقٍ مؤتمن، فاختارته الندوة العالمية للشباب الإسلامي ليكون عضواً في مجلس أمنائها وممثلاً لها في أمريكا الشمالية.

سألته خلال إحدى زيارته إلى لبنان عن وضعه في كندا وعمله فيها، وما جمعه لدنياه وحقَّقه في وظيفته، فأجابني،وابتسامة الرضا تسبقه وتعبِّر عما في قلبه: "يا أخي، إنما هو الكفاف الذي يغني عن السؤال، والحمد لله أنَّ لي من الزَّاد ما يكفيني، وأسأل الله أن يرضى عني"، هكذا كان، رحمه الله، متخففاً من أثقال الدنيا، مقبلاً على زاد الآخرة، حيث كلُّ ما يثير اهتمامه ويستدعي عنايته شؤون الدعوة وأحوال المسلمين.

رحمك الله يا أخي، سموت خلقاً وعلوت قدراً، وأشرقت سماتك الربانية صفاءً ونقاءً وجليل خصال، تمضي أنت ويبقى فينا أثرك، فاهنأ في مثواك الأخير بما أعدَّه الله للذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ، واسعد بنداء ربك وهو يخصُّك مع المصطفين الأخيار: "بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ". هكذا نحسبك، والله حسيبك، وعند الله الملتقى.

26/4/2021 وكانت وفاته رحمه الله تعالى في 11 رمضان 1442 الموافق 23/4/2021

بقلم: سامي الخطيب