العدد 1544 /4-1-2023

للشيخ عصام تليمة

توفيت الدكتورة هالة حسن البنا، كريمة الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله، وقد كانت طبيبة وأكاديمية يشار إليها بالبنان، قدمت جهودا مشهود لها في جامعة الأزهر، وعرفت بصلاحها، ودأبها العلمي في تخصصها الطبي، وكانت كشأن كل بنات البنا، ليس لهن ظهور إعلامي، ولذا يندر وجود صور لهن، إلا ما يندر، وفي فترات متأخرة، وكانت تلك وصية البنا لبناته، كما حدثتني ابنته الراحلة سناء رحمها الله، أن عدم ظهورهن الإعلامي كان بناء على توجه لدى والدهن، أو من باب النصيحة.

كانت هالة البنا مشغولة بتطوير مستشفى الحسين الجامعي، وبخاصة قسم الأطفال، فقد كانت ذات عاطفة جياشة رحمها الله، ولعل ما زاد هذه العاطفة لديها، ما رأته في عملها طوال عملها الأكاديمي العملي مع الأطفال، إضافة للرصيد الذي تلقته من خلال تربية أبيها، ثم بعد وفاته أكلمت أمها المسيرة، تلك السيدة الصالحة التي رعت أبناء وبنات البنا وربتهم تربية شهد لها القاصي والداني بحسنها، ورقيها.

لم أكن قد شرفت بلقاء الراحلة إلا في آخر أيامها، فقد زرتها مع زوجتي قبل وفاتها بأقل من أسبوع، في أحد مستشفيات إسطنبول، وقد استأذنتها زوجتي للدخول عليها، فوجدت عندها فتاة تركية ترعاها متطوعة، من بنات العلم الشرعي، سواء هي أو بعض أخواتها إذا كان لديها ما يمنعها، وهن بنات أحد علماء التصوف والتربية في تركيا، تقبل الله منه ومن بناته عملهن الصالح.

وكان طلبها مني أن أوفر نسخا من كتاب (نظرات في التصوف والأخلاق) للإمام البنا، وكنت قد جمعت ما كتبه البنا من مقالات وبحوث حول التصوف والتربية والأخلاق، منذ سنوات طويلة، فطلبت مني نسخة بالعربي لها، ونسخا باللغة التركية لمن يتولى رعايتها من الفتيات المتطوعات التركيات.

ثم دار الحديث عن أوضاع الجماعة والدعوة، وقد حدثتني عن بعض سعيها للبحث عن مخرج لإنقاذ المسجونين، وقد أخبرت بذلك من قبل الدكتور حمزة زوبع كذلك، فلم تترك مسؤولا كبيرا تعرفه، ولا واسطة خير تتحرك في هذا الملف، حتى وصلت لرؤساء دول، وبخاصة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكلمته في أن يفعل شيئا لأسرانا كما كانت تطلق على المسجونين في مصر، نسأل الله أن يكتب لها سعيها في ميزان حسناتها، وقد كانت تحكي ما فعلته، وهي متحسرة على حال الجماعة وقياداتها.

توفيت هالة البنا، وقد كانت تشكو الغربة، وتخشاها، لكن الله عز وجل أكرمها بأحسن جوار في قبرها، فقد دفنت في مقابر أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، على مقربة شديدة من مسجده، واحتشد عدد كبير للصلاة عليها، بينهم مسؤولون أتراك كان لقائي بها مدة ساعة ونصف تقريبا، تحدثت فيما يقرب من نصف ساعة عن شيخ الأزهر أحمد الطيب، والتي كانت تقدره بشكل كبير، وتحترم تصوفه، واحترامه لمقامه ومقام المشيخة، فقد عملت معه حين كان رئيسا لجامعة الأزهر، وقد أنصفها حيث ظلمت من بعض رؤسائها في العمل.

وحين حدث خلاف بين الطيب والإخوان فيما عرف بالعرض العسكري في جامعة الأزهر، وهو احتفال لطلبة الأزهر بزي المقاومة في فلسطين، وتدخل الأمن المصري في الأمر، لم تكن محبة لهذا التصرف، لكنها كانت رافضة في الوقت ذاته الإساءة للرجل، ورفضت التجاوز في حقه من بعض طالبات الأزهر من الإخوان، حين رفعن المصحف في وجهه، ولما سألهن: من أنتن؟ قلن: نحن بنات حسن البنا؟ فقال الطيب: لستن بنات البنا أنا أعرف بنات البنا جيدا، ولسن بهذا التطاول على أساتذتهن.

وذهبت هالة البنا بنفسها للطالبات وكلمتهن، في عدم صحة ما يفعلن مع رئيس الجامعة أحمد الطيب آنذاك، وقدر لها هذا الموقف، وكانت كلما تعرضت لمظلمة في الجامعة، أو لديها مشروع يفيد قسم الأطفال في مستشفى الحسين، رحب بها، وعاون، وذلل لها الصعاب، وكثيرا ما كانت تصحب عند زيارتها للطيب ابنها خالد رحمه الله، الذي استشهد في مذبحة رمسيس بمسجد الفتح.

كان أكثر ما آلمها رحمها الله قبل وفاتها، أنها ودت لو ماتت بين أهلها في مصر، وأنها ستموت غريبة، فقلت لها: يا دكتورة الغربة ليست غربة المكان، بل غربة الروح والقلب، وغربة الدين، وغربة المبادئ والقيم، فماذا تفعلين لو كنت بين أهلك وبلدك، بينما لا يحبونك، أو ليسوا على مستوى خلقي يسعدك، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بين فضل من مات غريبا عن أهله.

كانت تشعر بدنو أجلها، فقد كانت وفاة شقيقتها سناء حسن البنا، والتي توفيت منذ ما يقرب من شهر، فقالت لي: موت سناء قصم ظهري، كما أن أختها الكبرى وفاء زوجة الأستاذ سعيد رمضان، ووالدة الداعية المعروف طارق رمضان، في حالة صحية حرجة، ثم قالت لي: يبدو أنني ذاهبة إليهم، أي: إلى أخيها سيف الإسلام، وسناء.

توفيت هالة البنا، وقد كانت تشكو الغربة، وتخشاها، لكن الله عز وجل أكرمها بأحسن جوار في قبرها، فقد دفنت في مقابر أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، على مقربة شديدة من مسجده، واحتشد عدد كبير للصلاة عليها، بينهم مسؤولون أتراك، وقال الإمام الذي صلى عليها صلاة الجنازة كلاما يدل على تقدير الترك للبنا وأسرته، حيث قال: من تقدير الله عز وجل أن تموت بيننا ابنة البنا، وريث الخلافة الإسلامية، ليدفن في بلادنا قطعة من هذا الإمام الصالح تحت ثرى تركيا.