العدد 1503 /9-3-2022

أحد أشهر المقاطع المصوّرة المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تمّ تناقلها ملايين المرات، عبارة صدرت عن إحدى الممثلات في أحد الأفلام العربية، تقول فيها باللغة الإنكليزية "أنا لست قوية، ولست امرأة زفت مستقلة.. أنا عايزة اتدلع". تشكل هذه الكلمات البسيطة تلخيصاً لما تتمناه شريحة واسعة من النساء، وان كان الكثير منهنّ يخجل من التعبير عن هذه الرغبة. ففي زمن النسوية، ليس من المسموح للمرأة أن تقول بأنها ضعيفة، ولا أن تفصح عن رغبتها بالحاجة للآخر، وأن جلّ ما تريده هو أن تحظى بمعاملة حسنة وودّ وعاطفة وحبّ وكرم من الطرف الآخر. المطلوب منها كي يكون مرضياً عنها من النسويات، أن تشمّر عن ساعديْها، وأن توكل أمر العناية بأطفالها لمربية جاءت بها من إحدى البلاد الآسيوية، وأن تتفرغ لمزاحمة الرجل في العمل والمدخول المالي والغياب عن المنزل، و"ما حدا أحسن من حدا".

سبب الحديث في هذا الموضوع هو حلول يوم المرأة العالمي، المناسبة التي اغتمتها كثيرات للتعبير عن اعتزازهنّ وفخرهنّ بقوّتهنّ وتماسكهنّ وصلابتهنّ وصمودهنّ واستقلاليتهنّ، وأنهنّ بتن بغنى عن أي سند، وبالطبع هذا التعبير لقي التهليل والتهاني والتبريكات من الآخرين.

ما تلمّح إليه هؤلاء القويات المستقلات الجسورات أنهنّ لم يعدن بحاجة لرجل إلى جانبهنّ. فمعه أو بدونه أمورهنّ مستقرة، بعدما نجحن بتأمين مدخول مالي، وبالتالي لم تعد هناك حاجة لمحفظة الرجل كي يصرف عليهنّ، وأن يتحملن بالمقابل قوامته عليهن. مشكلة جماعة "ما حدا أحسن من حدا" أنهم فهموا الموضوع خطأ، فالحاجة للآخر بالنسبة لهنّ خضوع وذل وانكسار، في حين أن كل واحد منّا يقضي يومه وهو في حاجة للآخرين.

المرء بحاجة للبقال كي يشتري حاجياته، بحاجة لمحطة بنزين كي يملأ سيارته بالوقود، بحاجة للسبّاك كي يصلح صنبور المياه، بحاجة للمعلم كي يدرّس أولاده. حاجات كثيرة يسعى إليها الناس رجالاً ونساء دون أن يشعروا بحاجتهم إليها لأنها صارت حاجات يومية اعتيادية بديهية. والحاجيات بطبيعتها تبادلية، فالطالب يحتاج أستاذه الذي يحتاج بدوره راتب آخر الشهر، وصاحب المنزل يحتاج السبّاك مقابل أجرة التصليح التي يقدمها، ورب الأسرة يحتاج البقال مقابل حاجة البقال للثمن المدفوع لقاء الحاجيات التي يتمّ شراؤها، وربّ العمل بحاجة لما يقدمه الموظف أو العامل عمل مقابل راتب آخر الشهر، والموظف لولا الراتب لما استمر بعمله. فلولا الحاجات المتبادلة لم يذهب أحد للبقال، ولما اتصل أحد بالسبّاك، ولما أرسل أحد أبناءه للمدرسة، ولكان استقلّ كل بنفسه وأغلق الباب على نفسه.

الرجل في أحيان كثيرة لا يكون سعيداً في عمله، وربّ عمله يزعجه ويضيّق عليه، وينتقص من براعته أمام زملائه، لكن ما يضطر الرجل أن يصبر على ربّ عمله هو حاجته للراتب الذي يدفعه له نهاية كل شهر. أما حين يكون الموظف غنياً لا حاجة له بالمال، يقدم استقالته عند أي إزعاج يصيبه من ربّ عمله.

هذه الحاجات المتبادلة ليس خنوعاً ولا انكساراً بل هي طبيعة الحياة، وهو الأمر نفسه ينطبق على العلاقة بين الرجل وزوجه. فحاجة المرأة للرجل ليست ضعفاً، بل طبيعة بشرية خلق الله عباده عليها. وكما أن المرأة بحاجة الرجل، الرجل كذلك بحاجة للمرأة. ولعلّ حاجات البشر هي ما يقرّبهم من بعضهم، وفي الوقت الذي يشعر المرء بعدم حاجته للآخر، يسهل عليه التخلّي والابتعاد عنه عند أي خلاف أو مناسبة، معتقداً بذلك أنه يثبت استقلاليته وقوّته وتماسكه. وربما هذا هو السبب الذي يقف وراء الارتفاع الكبير في حالات الطلاق، بعدما باتت الكثير من النساء يشعرن بأنهنّ لم يعدن بحاجة لشركائهنّ، بعدما امتلكن المال والقوّة.

من الذي خوّل لنفسه أن يتحدث باسم المرأة، فيطالب باسمها بالقوة والاستقلال، ومن قال أن جميع النساء يردن ذلك وأن بعضهن يرفضن الاستقلال والقوة شعارهنّ في الحياة "عايزة اتدلع".

أوّاب إبراهيم