العدد 1469 /7-7-2021

لم تعد المخاطر التي تهدد لبنان مقتصرة على الجوانب الاقتصادية والمعيشية والسياسية والأمنية. فما شهدته الأيام الماضية من تراجع كبير في خدمات أساسية، وإعلان العديد من الشرائح في القطاعيْن العام والخاص عزمهم الاستنكاف والتوقف عن أداء مهامهم، كل ذلك بات يهدد بانفراط عقد الدولة كسلطة ووزارات ومؤسسات وإدارات وبلديات وأجهزة قضائية وأمنية وعسكرية. يُضاف لكل ذلك اعتبار أمين عام حزب الله في إطلالته الأخيرة أن الأزمة الحقيقة للبنان هي أزمة نظام. هذه المؤشرات أفرزت مخاوف من احتمال انهيار الدولة كسلطة، لكن يبقى السؤال عن هوية المستفيد من انهيار الدولة، وبالتالي من هي الجهة أو الجهات التي ستسعى لحصوله.

فحزب الله أكثر القوى اللبنانية قوة وتنظيماً وتماسكاً وشعبية، نجح في الإمساك بقرارات الدولة الاستراتيجية، وهو حريص على بقائها لأنها تمنحه شرعية الاحتفاظ بسلاحه، وتغطّي تدخلاته الخارجية في سوريا والعراق واليمن وأماكن أخرى. وانهيار الدولة يعني انكشاف الحزب وفقدانه للشرعية والحظوة التي امتلكها في المنظومة السياسية القائمة، وهو غير معني بتغيير هذا الواقع، وسيسعى للإبقاء عليه ومنع انهياره. أما رئيس الجمهورية وفريقه السياسي صاحب أكبر كتلة نيابية والأكثر تمثيلاً للمسيحيين، فإنه كذلك حريص على تماسك الدولة ونجاحها في تخطّي أزماتها. فميشال عون لايريد أن يُسجّل في تاريخ لبنان أن انهياره كان في عهده، خاصة أنه يسعى لتوريث الرئاسة لصهره جبران باسيل. فإذا انهار لبنان، لن يكون بمقدور عون استكمال عهده الرئاسي الذي طالما انتظره، كما سيتعذر على باسيل الوصول إلى قصر بعبدا من بعده.

القوى السياسية الأخرى حتى ولو سعت لانهيار الدولة، فإنها لا تملك القدرة بمفردها على زعزعة بنيانها دون مساعدة داخلية أو خارجية مؤثرة. وبالحديث عن الجهات الخارجية المؤثرة في الداخل اللبناني يمكن الإشارة لأكثر من جهة. فالفاتيكان الذي يعدّ مرجعية روحية للمسيحيين في لبنان، حريص على استقرار لبنان وتماسكه، وقد خصص البابا فرنسيس الأسبوع الماضي يوماً التقى فيه وفداً لبنانياً لمشاركته "يوم التأمل والصلاة من أجل لبنان" في الفاتيكان، تأكيداً على حرصه على لبنان الذي يعتبره كثيرون بأنه مركز المسيحيين في الشرق. إلى جانب الفاتيكان تقف فرنسا التي ضرب رئيسها على صدره منذ بداية الأزمة للعمل على إنهائها، وقدم مبادرة للحل مازالت تراوح مكانها. الحرص الفرنسي لإنهاء الأزمة يعود للدور التاريخي الذي طالما لعبته باريس في لبنان، والتي تعتبرها شريحة من اللبنانيين "الأم الحنون"، وبالتالي ليس مصلحة فرنسا السعي لفرط الدولة في لبنان.

الولايات المتحدة وإلى جانبها دول إقليمية أخرى كالمملكة العربية السعودية يصنّفون لبنان بأنه خاضع للهيمنة الإيرانية من خلال دور حزب الله فيه. لذلك هم حريصون على التضييق عليه، ومنع وصول المساعدات إليه وإضعافه، لكن ذلك لايعني السعي لانهياره وفرط مقوّمات الدولة فيه. فانهياره سينعكس سلباً على ملفات أخرى كسوريا و"إسرائيل". أما إيران فمصلحتها باستقرار لبنان مستمدة من مصلحة حزب الله لتغطيته ومنحه الحصانة والبيئة الحاضنة، والأمر نفسه ينطبق على النظام السوري الذي يحتفظ بنفوذ في بعض المناطق اللبنانية، وربما يكون قادراً على التسبّب بزعزعة الأمن والاستقرار، لكنه لن يحيد عن المصلحة الإيرانية الحريصة على تحصين بيئة حزب الله. تبقى "إسرائيل" التي قد تكون الجهة الوحيدة التي لها مصلحة بانهيار لبنان وتفكّكه، لكن مشكلتها أنها لا تملك القدرة على تحقيق ذلك بسبب عجزها عن إيجاد نفوذ في الداخل اللبناني. فاللبنانيون يعانون من أزمات كثيرة تضيّق الخناق حول رقابهم، لكنهم رغم ذلك مازالوا ثابتين على العداء لـ"إسرائيل"، وبالتالي فإن أي مؤشر على ضلوع العدو الإسرائيلي بزعزعة الاستقرار سيُواجه من اللبنانيين أنفسهم.

ضعف لبنان وزعزعة أمنه ربما تكون مصلحة للبعض، لكن هذه المصلحة على الأرجح تتوقف عند هذا الحد ولا تصل مستوى التسبّب بانهياره وتفكّك مؤسساته، لأن حصول ذلك لا أحد يملك توقع نتائجه.

أوّاب إبراهيم