اواب ابراهيم

اشتعلت دوامة العنف في مخيم عين الحلوة، بين من قيل أنهم متشددون إسلاميون في مواجهة مسلحين من حركة فتح. لا أسباب محددة لاشتعال فتيل المواجهات، كما أنه ليس من المعروف هوية الجهة أو الجهات التي تقف خلفها. ما يعنينا، أن المخيم الذي يكاد يكون البقعة الأشد فقراً وبؤساً في لبنان، تشهد أزقته وحواريه صراعات مسلحة استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية أدت لمقتل وجرح العشرات ونزوح المئات من العائلات، ولا أحد يضمن تكرارها في أي لحظة.
القيادي في حماس محمود الزهار وفي زيارة لمخيم عين الحلوة قبل سنوات، عبر عن دهشته من الوضع المزري والمأساوي الذي يعيشه أبناء المخيم، وقال إن أوضاع الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر من الاحتلال الإسرائيلي من جهة ومن الجانب المصري من جهة أخرى، أفضل بأشواط من أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة. هذا الواقع ليس مستغرباً بعدما تخلى الجميع عن تحمل مسؤولياتهم تجاه أبناء المخيمات الفلسطينية وأكبرها عين الحلوة، ولكل طرف ذرائعه. فالسلطة اللبنانية تقول إن مشكلة المخيمات الفلسطينية ليست جديدة، وهي بدأت عام 1969 مع توقيع اتفاق القاهرة الذي يُفترض أنه نظم الوجود الفلسطيني في لبنان، وضمن لهم الاحتفاظ بسلاحهم. لكن هذا الاتفاق منح في المقابل السلطة اللبنانية مبرراً لرفض تحمّل مسؤولية المخيمات، فكيف لها أن تتحمل عبء مناطق لايحق لها الدخول إليها، ولامصادرة السلاح من أيدي أبنائها، وتم التعامل مع المخيمات كجزر أمنية. وكان يتم التفاهم والتنسيق بين الأجهزة اللبنانية والفصائل الفلسطينية النافذة في المخيمات، التي شكلت «لجنة مشتركة» نجحت في تأمين الحد الأدنى من الأمن والاستقرار في مخيم عين الحلوة. لكن هذا الواقع اختلف في السنوات الماضية، بعدما تحوّل المخيم إلى ملاذ للهاربين من ملاحقة السلطة اللبنانية والمتهمين بجرائم إرهابية، لبنانيين وفلسطينيين وسوريين ومن جنسيات أخرى. وأدى تجمّع هؤلاء في المخيم إلى ازدياد نفوذهم، وبسط سيطرتهم على أحياء مُنعت اللجنة المشتركة من الدخول إليها، الأمر الذي لم يعد بمقدور الفصائل الفلسطينية في عين الحلوة القبول به، ولا الأجهزة اللبنانية غضّ الطرف عنه، خاصة بعدما تبيّن أن الكثير من المخططات الإرهابية التي ضربت لبنان أو تم ضبطها قبل تنفيذها تبيّن أن عناصر من عين الحلوة كان لهم دور فيها. لكن الأمر ليس بالسهولة التي يتصوّرها البعض، فالدولة اللبنانية ليست في وارد دخول المخيمات، لأن الأمر يحتاج الى قرار سياسي كبير، إضافة إلى أن تكلفة هذا الدخول لن تكون بسيطة.
يبقى السؤال: من الذي يضمن عدم تكرار جولات العنف والاغتيالات التي يشهدها مخيم عين الحلوة كل حين، ومن الذي يضمن عدم تسلل الإرهابيين من المخيم إلى المناطق اللبنانية لتنفيذ جرائمهم، ومن المسؤول عن ضبط الأمن في المخيم ومنع تسلل الإرهابيين منه؟.
ربما يكون الحل بالتنسيق والشراكة مع القيادة الفلسطينية المسؤولة عن أبنائها، لكن الأداء الذي قدمه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خلال زيارته لبنان قبل أيام لايبشر بخير. فهو تجاهل مئات آلاف الفلسطينيين اللاجئين في لبنان وانشغل باستقبال المتنافسين الفلسطينيين في البرنامج الغنائي آرب آيدول، ومعانقة المغنية الإماراتية أحلام، والاجتماع بالفنانيْن راغب علامة ووليد توفيق، ولم يجد نفسه معنياً بزيارة مخيم فلسطيني واحد، أو اللقاء بممثلين عن أبناء المخيمات في مبنى السفارة الفلسطينية إذا كانت المخاطر الأمنية حالت دون الزيارة.
أزمة السلطة اللبنانية مع الوجود الفلسطيني في لبنان لاتقتصر على المخيمات، فعلى الأراضي اللبنانية معسكرات وثكنات عسكرية لفصائل فلسطينية موالية للنظام السوري ويغطيها حزب الله. هذه المراكز تشكل تهديداً واضحاً للبنانيين، وانتقاصاً فاضحاً لسلطة الدولة وسيادتها، وضرباً لمعنويات المؤسسة العسكرية. فإذا كان حزب الله نجح بتبرير احتفاظه بالسلاح من خلال تشريعه في البيان الوزاري، فلا شيء يبرّر وجود معسكرات فلسطينية على أراض لبنانية، ولامنطق قانونياً باستمرار وجود هذه المعسكرات. لكن من الواضح أن السلطة اللبنانية باختلاف عهودها القديمة والجديدة لاترغب بفتح هذا الملف، وتدفن رأسها في الرمال.
العلاقة اللبنانية الفلسطينية علاقة شائكة معقدة، ترافقها ذكريات أليمة من صفحات الحرب الأهلية اللبنانية، واقع لاينبغي أن يدفع المعنيين بتجاهل الأمر، وواهم من يعتقد أن تأثير ما يجري داخل حدود المخيمات الفلسطينية سينحصر بين أزقتها.