العدد 1551 /22-2-2023
أواب ابراهيم

طبقًا لتقديرات الدولة التركية، أثَّر الزلزال الي وقع في محافظة كهرمان مرعش على ما يزيد عن ثلاثة عشر مليون مواطن في الجانب التركي بصورة مباشرة، وما يقارب ستة ملايين آخرين بصورة غير مباشرة. أما في الجانب السوري، فتقول مصادر المعارضة إن تعداد السكان الذين تأثروا بالزلزال، وأغلبهم من النازحين من مناطق سورية أخرى، لا يقل عن خمسة ملايين. لكن الأثر الديمغرافي للزلزال لم يقتصر على القتلى والجرحى، فمثل كافة الكوارث الأخرى، يُعتقد أن أكثر من مليون مواطن قد غادروا الولايات المنكوبة إلى مناطق أخرى في شمال وغربي تركيا، خوفا من الارتدادات اللاحقة أو بحثا عن مسكن لائق.

خلال الأيام الأولى على وقوع الزلزال، ساد في تركيا مناخ من التضامن الوطني، الذي لم تعرفه البلاد منذ عقود. وفيما عدا استثناءات قليلة، تراجعت اللغة السياسية وجدل المسؤولية عما حدث لصالح تعزيز عمليات الإنقاذ ومد يد العون للناجين. حالة من التضامن أظهرها الشعب التركي، بكافة فئاته، مع ضحايا الزلزال، استمرت بوتيرة عالية، لم تعرفها تركيا منذ عقود. عشرات الآلاف من كافة التخصصات توجهوا إلى مناطق الزلزال للمساعدة في عمليات البحث والإنقاذ، ومئات من المهنيين ورجال الأعمال، تحركوا بمبادرات فردية إلمساعدة أهلهم وأقاربهم بكافة الوسائل والطرق الممكنة.

يعترف أنصار الرئيس رجب طيب أردوغان بأن استجابة الحكومة للكارثة في أيامها الأولى لم تكن كما يجب، ولكنهم يقولون إن حجم الكارثة كان أكبر بكثير مما تصورته أنقرة أو توقعته لأي زلزال محتمل، وأن ليس ثمة دولة في العالم كان يمكنها الاستعداد لمثل هذه الكارثة الطبيعية. ولكنهم يعتقدون في الوقت نفسه أن الشعب التركي يدرك أن أداء أجهزة الدولة ارتفع إلى مستوى الحدث، وأن الشعب يرى بأم عينيه، سواء في المناطق المنكوبة، أو في عموم البلاد، عملية إنقاذ وإغاثة لم تشهدها البلاد في تاريخها الحديث كله. ولكن، وكما كل الكوارث الكبرى، كان لابد لزلزال تركيا في النهاية من أن يثير أسئلة عديدة حول الأسباب التي أدت إلى حجم الخسائر الهائلة في الأرواح والمباني، وحول العواقب السياسية للكارثة، داخليا ودوليا.

ليس ثمة دولة يمكنها أن تضع حسابات مسبقة للزلازل، مهما كانت طبيعة تجاربها مع هذا النوع من الكوارث الطبيعية. ولكن الزلازل بهذا الحجم والوقع لابد أن تأتي معها بآثار سياسية، وليس متغيرات ديمغرافية واقتصادية وحسب. فالمؤكد أن الزلزال سيشكِّل منعطفًا سياسيًّا بارزًا في تركيا الحديثة، في رؤية تركيا لذاتها وفي رؤيتها للعالم من حولها. فقد كان زلزالا هائلا، ألقى بأعباء بالغة على كاهل البلاد وأهلها. أعباء لم تكن متوقعة. ثمة مئات الألوف من الوحدات السكنية التي انهارت، أو لابد من هدمها وإعادة بنائها من جديد. والمؤكد أن يترك الزلزال خلفه متغيرات ديمغرافية واقتصادية واسعة النطاق.

تركيا دولة كبيرة، حجما وشعبا ومقدرات، وليست الزلازل في تركيا بالشيء المفاجئ أو المستغرب. وليس ثمة شك في أن تركيا ستنهض من تحت ركام الزلزال، الذي سيتحول في النهاية، إلى مجرد ذكرى حزينة وتاريخ. ولكن مسيرة النهوض ومواجهة عواقب الزلزال لن تكون يسيرة.

أوّاب إبراهيم