العدد 1504 /16-3-2022

بالتزامن مع الحدث الذي تشخص إليه أنظار العالم المتمثل بالغزو الروسي لأوكرانيا، تشخص أنظار العالم الثالث إلى الغرب. فأحد انعكاسات الأزمة في أوكرانيا انكشاف زيف الشعارات والقيم التي ترفعها الدول الغربية، والتي تطالب بقية دول العالم التقيّد بها، باعتبارها قيم متقدمة متحضرة راقية، تجسّد الديمقراطية والعدالة والمساواة. لكن ما شهدناه خلال الأسبوعين الماضيين، فضح هذه القيم، وكشف للعالم أنها مجرد شعارات يرفعها الغرب دون أن يؤمن بها، وأن حقيقة قيمه وأفكاره لا علاقة لها برقي ولا بحضارة ولا تمدّن.

لطالما كانت حرية التعبير مقدسة لدى الغرب، لايجوز المساس بها أو الانتقاص منها. لكن ما شهدناه في الأيام الماضية كان قمعاً للحرية، وإسكاتاً لكل صوت لايتفق مع إدانة وشجب الغزو الروسي لأوكرانيا. فتمّ منع أيّ صوت لايشارك الإدانة والشجب، ووصل الترهيب حدّ مطالبة شخصيات روسية مشهورة رياضية وفنية وأدبية بإدانة ما تقوم به دولتهم، ومن رفض الرضوخ لهذا الترهيب تمّ طرده والانقضاض عليه وطمس كل ما قدمه من إبداع. وفي عدد من البرامج الحوارية التلفزيونية تمّ طرد الضيوف الذين رفضوا إدانة الغزو الروسي، وتحوّلت حرية الرأي والتعبير التي طالما تغنّى بها الغرب "شوربة" لا أساس لها.

في كل مناسبة كان يلجأ فيها البعض للتعبير عن تضامنهم مع القضايا الإنسانية المحقة والعادلة المرتبطة بعالمنا العربي والإسلامي، كان يتم لوم من يقوم بذلك وإدانته ومعاقبته. وكلنا يذكر معاقبة اللاعب المصري الدولي محمد أبو تريكة من اتحاد كرة القدم حين كشف عن عبارة "تعاطفاً مع غزة" التي كتبها تحت قميصه خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع، والذريعة كانت أنه لايجب إدخال القضايا السياسية في الشؤون الرياضية. اليوم اكتسحت الأزمة الأوكرانية عالم الرياضة، وبات لزاماً على جميع الرياضيين إدانة ما تقوم به روسيا، ومن يمتنع عن ذلك يتم طرده وإيقافه عن اللعب، كما تمّ تجميد مشاركة الأندية الروسية في البطولات. ولعلّ ما قاله بطل العالم بلعبة الإسكواش المصري علي فرج قبل يومين خلال تتويجه نزع ورقة التوت التي تبقت للغرب. فرج قال إنه في السابق كان محظور على اللاعبين التطرق لقضايا سياسية، لكن اليوم بات يُطلب منهم الحديث عما يجري في أوكرانيا، وأضاف "أنا أستغل المناسبة لأقول، لنتحدث عن فلسطين كما نتحدث عن أوكرانيا، الشعب الفلسطيني يعاني منذ 74 عاما بسبب الاحتلال الإسرائيلي".

منذ اشتهرت وسائل التواصل الاجتماعي فرضت إدارة هذه الوسائل ضوابط وقوانين صارمة ومحددة لمستخدمي هذه الوسائل، أبرز هذه الضوابط تجنب استخدام العنف، أو نشر أخبار أو صور عنيفة. لتخرج علينا إدارة موقع الفايسبوك قبل أيام لتخبر المستخدمين أنه سيتم السماح بمنشورات تدعو لموت الرئيس الروسي وتحرّض على العنف ضد الجيش الروسي!!.

صمّ الغرب آذاننا بدعوات نبذ العنصرية والتسامح والمساواة بين البشر، مهما اختلف جنسهم أو عرقهم أو لونهم. لكن ما قاله عمداً أو عفواً بعض المسؤولين في أوروبا بتمييز اللاجئين الأوكرانيين "المثقفين المتعلمين أصحاب الشعر الأشقر والعيون الزرقاء" عن بقية اللاجئين السوريين والأفغان والعراقيين، كشف عن كذب هذه الدعوات، وأثبت أن عقدة التفوّق والعرق الأبيض التي أطلقها النازي أدولف هتلر مازالت تجد صدى عند كثيرين منهم، وجاءت أحداث أوكرانيا لتفضحها.

مشكلة الغرب أنه يعتبر قيمه وأفكاره وعاداته وقوانينه هي القيم والأفكار والعادات والقوانين التي يستخدمها كيف يشاء يجب أن تسود العال، ولا يدرك أن لكلّ جماعة قيمها وأفكارها وتقاليدها وعاداتها وقوانينها المنبثقة من تاريخها وحضارتها وتراثها ودينها، التي ربما تتقدم بأشواط عن قيم وأفكار الغرب.

أوّاب إبراهيم