العدد 1521 /27-7-2022
أواب ابراهبم


مع انطلاقة فصل الصيف أطلقت وزارة السياحة حملة إعلامية حملت عنوان "أهلا بهالطلة". ولتعبيد الطريق أمام هذه الحملة "تمنّى" وزير السياحة على حزب الله بنزع صور قادته اللبنانيين والإيرانيين التي يزين فيها طريق المطار، وتستقبل زائري لبنان حال خروجهم من المطار. هذه الحملة كانت تستهدف تشجيع المغتربين اللبنانيين على القدوم إلى لبنان لقضاء عطلة الصيف، والاستفادة من تدنّي الأسعار.

استجاب مغتربون كثر للحملة، فازدحمت صالة الوصول بمطار بيروت على مدى أسابيع بعشرات آلاف اللبنانيين الذين قدموا إلى لبنان للقاء أهلهم وأحبابهم وأصحابهم، وللاستفادة من الانهيار النقدي والفارق الكبير الذي أصاب سعر صرف الدولار بالنسبة لليرة اللبنانية.

المفارقة كانت أن الفارق الذي شعر به المغتربون كان سلبياً وليس إيجابياً. فزيادة أسعار السلع والخدمات تضاعفت بشكل فاق الزيادة التي أصابت سعر صرف الدولار، علماً أن الكثير من السلع والخدمات المقدمة غير مرتبطة بالدولار. فقيمة الدولار الأميركي كانت قبل الأزمة الاقتصادية 1500 ليرة، وهو اليوم يقل عن ثلاثين ألفاً بقليل، وهذا يعني أن قيمة الدولار تضاعفت عشرين ضعفاً عن قيمته السابقة بالنسبة لليرة، في حين أن الكثير من السلع والخدمات تضاعفت قيمتها أكثر من 20 ضعفاً.

فمنقوشة الزعتر التي يتناولها معظم اللبنانيين على الفطور وكان سعرها قبل الانهيار الاقتصادي يتراوح بين 500 وألف ليرة، اليوم سعرها بات لايقل عن 15000 ليرة، وفي محال كثيرة يزيد عن عشرين ألفاً. أفهم أن الزيت المستخدم في المنقوشة مستورد لكنه مازال مدعوماً ولو بشكل جزئي، الأمر نفسه ينطبق على الطحين. لكن ماذا عن الزعتر وهو المادة الأساسية للمنقوشة، هل بتنا نستورده من أوروبا وأميركا أو نجمعه من حقول إقليم الخروب والكورة والجنوب. ثم إن كلفة المنقوشة يدخل فيها إيجار المحل وفاتورة الكهرباء وأجور العمال، وهي كلفة مازالت بالليرة اللبنانية، مع الأخذ بالاعتبار زيادة أجور العاملين واشتراك المولد الكهربائي.

أفهم أن يستغل بعض التجار امتهانهم بيع سلع قيمتها بالدولار كقطع السيارات والأدوات الكهربائية والإلكترونية والميكانيكية، لكن هناك أمور أخرى غير مفهوم ارتفاع سعرها بشكل غير منطقي، فقد اعتدت خلال فترة الصيف على شراء فاكهة "الصبر" التي يبيعها باعة متجولين على بسطات متهالكة عند زوايا الشوارع. قبل الأزمة كان سعر دزينة الصبر ثلاثة آلاف ليرة أي دولارين اثنين على سعر 1500 ليرة، ونحن هنا نتحدث عن ثمرة محلية من الأراضي الزراعية في لبنان، ليست مستوردة ولا تحتاج دولاراً جمركياً، كل ما تحتاجه هو نقلها من المزارع إلى البسطات، وهذا يتطلب زيادة بكلفة النقل نظراً للارتفاع في أسعار المحروقات، لكن هل هذا يبرّر أن يصبح سعر الدزينة مئة ألف ليرة، أي أكثر من ثلاثين ضعفاً عما كانت عليه قبل ارتفاع سعر الدولار؟!.

المفارقة أنه رغم الارتفاع الكبير الذي أصاب أسعار السلع والخدمات فإن النوعية التي يتذرع التجار بالحفاظ عليها لتبرير رفع أسعارهم تدنّت بشكل كبير، يدل على ذلك التسمّم الغذائي الذي بات زائراً دائماً للبنانيين.

الواضح أن الاقتصاد اللبناني تحوّل خلال العامين المنصرمين بشكل كامل ليصبح مدولراً، أي أن جميع السلع والخدمات سواء كانت مستوردة أو محلية يتم تسعيرها بالدولار الأميركي، وهذا أمر ربما يكون منطقياً لو أن رواتب جميع اللبنانيين تضاعفت كما زادت أسعار السلع والخدمات، لكن ذلك لم يحصل. ربما ارتفعت أجور بعض موظفي القطاع الخاص، والعاملين في شركات ومؤسسات أجنبية، لكن شريحة واسعة من القطاع العام والخاص مازالت رواتبها على حالها. وربّ العمل الكريم الذي زاد من أجور العاملين لديه ضاعفها مرة أو مرتين أو عشر مرات، في حين أن ارتفاع الأسعار زاد عشرين ضعفاً وأكثر. هؤلاء لن تجدهم في المطاعم والمسابح والمقاهي، ولا يتنزهون بسياراتهم غير عابئين بسعر البنزين. وهؤلاء ليسوا قلة، هم الأكثرية الصامتة الموجوعة التي تنام مساء كل يوم ولا تدري كيف ستدبر أمورها في اليوم التالي.

أوّاب إبراهيم