العدد 1453 /17-3-2021

أصدرت محكمة التمييز العسكرية قراراً بإخلاء سبيل كيندا الخطيب الموقوفة منذ ثمانية أشهر. الخطيب كانت معروفة بخصومتها مع حزب الله وجمهوره، ودأبت على توجيه انتقادات حادة للحزب على وسائل التواصل الاجتماعي. قبل أن تصل إلى مركز توقيفها كان قد انتشر خبر مداهمة منزل كيندا في بلدة حلبا العكارية، وتوقيفها وتوقيف شقيقها، لينتشر بعدها بساعات قليلة -قبل صدور بيان رسمي عن القضاء أو الجهاز الأمني الذي أوقفها- تسريبات تداولها ناشطون مؤيدون لحزب الله أن كيندا متهمة بالعمالة لإسرائيل. جمهور الحزب لم ينتظر انتهاء التحقيقات معها ولا صدور قرار ظني، بل شنّ عليها حملة تشويه تفوح منها روائح قميئة شعواء على وسائل التواصل الاجتماعي طعنت بشرفها وكرامتها ووطنيتها، وتوسّع الطعن ليطال أبناء منطقة عكار وبلدتها حلبا، فكيلت بحقها وحق أبناء عكار كل ما يخطر على بال من شتائم، وتصدّر وسم "كيندا العميلة" صدارة وسائل التواصل لعدة أيام. كل ذلك حصل قبل أن يُختم التحقيق مع كيندا، وقبل أن تُحال إلى القضاء.

المحكمة العسكرية الدائمة التي يهمز ويغمز كثيرون عن تأثير حزب الله على أحكامها أصدرت حكماً أدانت فيه كيندا بتهمة التواصل مع العدو الإسرائيلي وقضت بسجنها ثلاث سنوات. جمهور أشرف الناس وأطهر الناس وأكرم الناس الذي سبق أن نهش عرض كيندا وكرامتها عاد مرة أخرى بشكل أكثر بذاءة لتوجيه الشتائم لكيندا ولكل من دافع عنها أو استنكر التهم الموجهة إليها. علماً أنه قبل سنوات خلت تم كشف عملاء للعدو الإسرائيلي من داخل صفوف حزب الله لكن تمّ التعتيم على هوياتهم وما آلت إليه أمورهم، حرصاً على كرامة ذويهم وأهلهم. أما كيندا الشابة اليافعة ذات 23 عاماً التي -ربما تكون- تواصلت مع صحفي إسرائيلي، فلا كرامة لها ولا لأهلها ولا لأبناء بلدتها.

ما يجب معرفته هو أن القرار الصادر عن محكمة التمييز العسكرية بإخلاء سبيل كيندا لا يعني براءتها من التهم الموجهة إليها. بمحكمة التمييز ستعيد المحاكمة من جديد، وهي وافقت على إخلاء السبيل الذي تقدمت به وكيلة كيندا. لكنّ بناء على العُرف القائم فإن المحكمة لا توافق على طلب إخلاء سبيل المتهم إلا إذا كانت تجد بأنه بريء من التهم المنسوبة إليه، أو أنّ مدة التوقيف التي قضاها المتهم في السجن تكافئ أو تزيد عن الفترة التي يمكن أن يُحكم بها في حال إدانته.

قبل أكثر من عشر سنوات، تمّ توقيف القيادي في التيار الوطني الحر العميد المتقاعد فايز كرم. كرم الذي كان رفيق درب رئيس الجمهورية ميشال عون شغل أيضاً مركز رئيس فرع مكافحة الإرهاب والتجسس في الجيش اللبناني، وهو أُدين بالتخابر مع ضباط إسرائيليين وإعطائهم معلومات أمنية. رغم حساسية موقع كرم وأهمية المعلومات التي قدمها للعدو الإٍسرائيلي، إلا أن المحكمة العسكرية نفسها التي حكمت على كيندا الخطيب بالسجن ثلاث سنوات بتهمة تواصلها مع صحفي إسرائيلي كانت أبلغت الأجهزة الأمنية عنه، حكمت على كرم بسنتيْ سجن فقط. يومها توكل للدفاع عنه نواب وقياديون بالتيار، وحرص كرم بعد إخلاء سبيله على زيارة العماد ميشال عون في الرابية ثم تابع طريقه نحو بلدته زغرتا وسط نثر الأرز والألعاب النارية والمفرقعات وقرع الطبول، حيث أقيم له استقبال شعبي.

يومها جمهور حزب الله التزم الصمت ولم يجرؤ على الإساءة لكرم ولا لحزبه ولا لبلدته بكلمة واحدة، فكرم ينتمي للتيار الذي وقّع الحزب معه ورقة تفاهم. أما كيندا الخطيب فلا سند لها ولا ظهر، تُركت الشابة العكارية وحيدة تلوك سيرتها الألسن، لم يُدافع عنها لا وزراء ولا نواب، تمّ الطعن بشرفها وكرامتها وشتمها والإساءة إليها ولذويها ولأبناء بلدتها من جمهور غفير من أشرف الناس.

ربما عادت كيندا الخطيب للحرية، لكن الحرية لن تعيد لكيندا كرامتها التي أهرقها قوم يدّعون العيش بكرامة.

أوّاب إبراهيم