العدد 1547 /25-1-2023
أواب ابراهيم

"حضرة المحقق العدلي المكفوفة يده، إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلا بسلطان"، "بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ويزاد لكم أيها السامعون"، بهذين الاقتباسين من القرآن الكريم والنص الإنجيلي، توجّه النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات، بكتاب إلى القاضي طارق البيطار بعد ادعاء الأخير عليه في قضية انفجار مرفأ بيروت، وقال "بموجبه نؤكد أن يدكم مكفوفة ولم يصدر أي قرار بقبول أو رفض ردكم أو نقل أو عدم نقل الدعوى من أمامكم".

مفاجئ ومدوّ جاء قرار البيطار بالعودة إلى الساحة بعد سنة ونصف السنة على كفّ يده عن ملف تفجير المرفأ، وشكل تحدياً للمعطّلين والمعتدين على الأهالي وتظاهراتهم، ورافضي العدالة والمسوّقين، من هنا تجدّدت الحملة ضدّه، باعتبار أن ما قام به غير قانوني وفيه تجاوز للقرارات العليا.

خطوة البيطار جاءت على إيقاع تدخل قضائي أوروبي في تحقيقات مالية وبتحقيقات فرنسية بريطانية تتعلق بملف انفجار المرفأ، إلى جانب موقف أميركي داعم لحركة البيطار، تجلى في البيان الذي صدر عن السفارة الأميركية وعن المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، الذي أكد: "أنّنا أوضحنا في المجتمع الدولي منذ وقوع الانفجار، أنّنا ندعم ونحثّ السّلطات اللّبنانيّة على استكمال تحقيق سريع وشفّاف في الانفجار المروّع في مرفأ بيروت". من هنا، ثمة من يعطي حركة البيطار غطاءً خارجياً، أو دفعاً مدعوماً بالتحركات القضائية الأوروبية في لبنان. ومن يعترض على أداء البيطار يعتبر أن خطوته تأتي بالتنسيق مع الخارج.

خطوة البيطار كأي تفصيل أو مستجد يطرأ على قضية المرفأ، سرعان ما دخلت في معمعة التأويلات والنقاشات القانونية والسياسية التي يروّج لها المعطّلون، في محاولة لتأجيل العدالة وقتل الضحايا للمرة العاشرة، باعتبار أن قرار القاضي غير قانوني، لأن يده سبق وأن كُفّت عن القضية، وأن ما قام به، يكون قد سجل سابقة بانقلاب قاضٍ على "القضاء" منصِّباً نفسه "حاكماً بأمره" فوق كلّ السلطات الدستورية والقضائية.

من هنا ثمة من يتخوف من أن يكون الحجم الضخم للقرارات القضائية التي أصدرها البيطار، مقدمة لفوضى سياسية وشعبية، تؤدي إلى توترات أمنية مثلاً، خصوصاً أن هؤلاء يتوقفون أمام توقيت الخطوة ويطرحون تساؤلاً: "طالما أن لدى البيطار الصلاحية والاجتهاد القانوني لممارسة عمله، فلماذا توقف عن ممارسة عمله طوال هذه الفترة؟ ومن الذي سيعمل على التعويض عن هؤلاء الموقوفين الذين طالب بإطلاق سراحهم؟ ومن الذي سيعوض عن ألم أهالي ضحايا المرفأ؟". و"بحال لم يتم إطلاق سراح الموقوفين، فأهاليهم سيتحركون، فيما سيكون التحرك المقابل لأهالي الضحايا، ما سيؤدي إلى فوضى في الشارع أمنياً وسياسياً". فيما قد تقود هذه الفوضى إلى الذهاب لتسريع الضغط الخارجي بهدف الوصول إلى تسوية خارجية.

هذه المخاوف تستند إلى انهيارات غير مسبوقة في مختلف مناحي حياة اللبنانيين، وفي ظل شغور رئاسي، وانهيار جنوني لسعر صرف الليرة. فلبنان وصل إلى حدود الانفجار. قنابل كثيرة يمكنها أن تنفجر. لم تعد القنبلة المالية وحدها، ولا قنبلة التحقيقات القضائية الأوروبية. كل المؤسسات تعيش صراعات وتصدعات. من الصراع السياسي في المجلس النيابي حول الانتخابات الرئاسية، إلى الصراع بين الكتل على الكابيتال كونترول، والصراع الذي انفجر حول تقييم خطوة المحقق العدلي طارق البيطار، كل ذلك يجعل من لبنان مجموعة من القنابل، يكفي أن تنفجر واحدة حتى تنفجر باقي القنابل، في ظلّ تهتّك سلطة الدولة وأجهزتها الأمنية، ونقمة شعبية عارمة لا بدّ أن تجد طريقة للتعبير عن نفسها.

أوّاب إبراهيم