العدد 1452 /10-3-2021

من يملك الحق بالحكم على عباد الله، فيُفتي بجواز الترحّم على فلان وحرمة الترحم على علاّن. من يدّعي امتلاك مفاتيح السماء فيجزم بأنّ فلان مصيره جهنم وبئس المصير وعلاّن إلى جنة الخلد ونعيمها. من أين للبعض الثقة بالنفس بأن يصدروا أحكامهم على خلق الله ويريدون أن يفرضوا هذه الأحكام على الآخرين ويرفضون كل حكم يخالف أحكامهم، من أعطاهم السلطة كي يسمحوا للآخرين بالحزن على فراق فلان ويريدون منهم الشماتة لفراق علاّن؟.

مناسبة هذه الأسئلة الاستنكارية هي وفاة القاضي الشيخ أحمد الزين رحمه الله قبل أيام، وما أثارته من مواقفلدى البعض، لم تكتفِ بانتقاء ما تشاء من حياته الطويلة، بل استهجنت ترحّم الآخرين عليه واستذكار مآثره وفضائله وخصاله الطيبة ومسيرته التي امتدت على مدى أكثر من ستين عاماً.

لم أكن على تواصل مباشر مع الشيخ الراحل حتى أقدم شهادتي بما أعرفه عنه، لكن كل ما سمعته عنه ممن عرفه عن قُرب لاسيما في مدينة صيدا التي قضى فيها جلّ عمره كانت تتحدث عن خصال الشيخ الطيبة، وسعة صدره وتواضعه وقربه من الناس. حتى الذين انتقدوه وأساؤا إليه فإنهم لم يجدوا شيئاً لانتقاده سوى مواقفه. فهو كان -على راس السطح- مسانداً لإيران وحليفاً لحزب الله، ومن الواضح أن هذا الموقف كان نابعاً من قناعة راسخة، مرتبطة بدور إيران وحلفائها بدعم القضية الفلسطينية. كما أنه كان مقتنعاً بأن إيران تسعى للوحدة الإسلامية، وكان مؤمناً بأن سوريا تتعرض لمؤامرة كونية وكان داعماً للنظام السوري في مواجهة هذه المؤامرة. هذه المواقف لم يكن الشيخ أحمد الزين يُخفيها أو يستحي بها بل يجاهر ويحاجج بها. ولكن هل مواقفه هذه تبرر إهمال خصاله الجيدة ونضالاته ومواقفه الشجاعة، ويقفزوا فوق مسيرة امتدت عقود في الثبات والتعمق بالدين والإمامة والخطابة بالمساجد والعمل في القضاء الشرعي والثبات في مواجهة الاحتلال الإٍسرائيلي أثناء احتلال صيدا قبل أربعين عاماً، فقط لأنه حسب رأيهم أيّد الظالم المجرم ولم يواجهه؟!.

ما حصل بعد رحيل الشيخ أحمد الزين حصل شبيه له بصورة أكثر فجاجة بعد وفاة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي عام 2013. الشيخ البوطي كان من المرجعيات الدينية الهامة في سوريا وعلى مستوى العالم الإسلامي، وحظي باحترام كبير من قبل كبار العلماء، وترك وراءه أكثر من ستين كتاباً في علوم الشريعة، والآداب، والتصوّف، والفلسفة، والاجتماع كان لها أثر كبير على مستوى العالم الإسلامي، وتتلمذ على يديه آلاف العلماء، وتربّى على دروسه الدينية المسجّلة عشرات آلاف المسلمين، وقد توفي أثناء إعطائه درساً دينياً في أحد مساجد دمشق، لكنّ كل هذه المسيرة الحافلة بالإنجازات والعلم والتُقى والحكمة والعمق لم تغفر له لدى البعض، فقط لأنه كان مسانداً للنظام السوري ولم يقف بوجهه حين حصلت الثورة السورية، وأهملوا كل فضائل الرجل وما قدمه من خير للإسلام وتأثير إيجابي بالمسلمين، واكتفوا بموقفه من النظام السوري الذي لا أحد يعرف خلفياته، وما إذا كان الشيخ مرغماً عليه أو كان باختياره، فشتموه وانتقدوا من ترحّم عليه.

ما يجب أن يفهمه البعض أن البشر ليسوا ملائكة، هم يخطئون ويصيبون، ولولا ذلك ما كانوا بشراً. لكن هذه الأخطاء لايجب أن تدفع لإهمال وتجاوز ما يتم تحقيقه من إنجازات وما يتمتعون به من خلق طيب وحسن معاملة. كما أن ما يجب أن يدركه البعض جيداً أن أحداً لم ينصّبهم أوصياء على مصائر الآخرين، لاسيما الأموات منهم، فأمرهم عند بارئهم، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء إنه هو الغفور الرحيم، ولينشغلوا بالابتهال إلى الله أن يكون نصيبهم المغفرة لا العذاب.

أوّاب إبراهيم