أواب ابراهيم

بما يشبه الطرفة والسذاجة, يتحدث البعض عن أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان هو الذي يقف وراء المحاولة الانقلابية التي يعود الفضل أولاً لله عزوجل بفشلها، وثانياً لبطولة الشعب التركي وبسالة الشرطة وبعض قطعات الجيش وشجاعة أردوغان وحنكته. أفهم أن يقوم أردوغان باستغلال ماحدث لتحقيق أهداف طالما أراد تحقيقها. وأفهم أن يكون وصلت لأردوغان وفريقه معلومات استخبارية تشير إلى وجود تحركات مريبة في صفوف الجيش ولم يتم التعامل معها بالشكل المطلوب. لكن أن يقال بأن أردوغان رتّب الانقلاب على نفسه فهذا يدعو للضحك والسخرية أكثر مما يدعو للنقاش. 
لكن، ماذا لو سقط أردوغان والمحاولة الإنقلابية نجحت، وتسلّم الجيش مقاليد الأمور، مالذي كان سيحصل؟. صحيح أن «لو» تفتح عمل الشيطان، لكن من المفيد استخدامها لتعلّم الدروس والعبر مما كان سيحصل.
من نافل القول أن نجاح الانقلاب ستكون أولى نتائجه إعدام الرئيس رجب طيب أردوغان وأبرز رجاله، خاصة أن هذا الأمر له سابقة في أداء الجيش التركي، الذي سبق له إعدام عدنان مندريس أول زعيم انتخب ديمقراطيا واثنين من وزرائه بعد الانقلاب على حكمه عام 1961. بل إن حقد المؤسسة العسكرية على أردوغان سيكون أكبر، بعدما نجح خلال سنوات حكمه في تقليم أظافر المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، ودفعها باتجاه البقاء ضمن الدور المطلوب منها وهو حماية البلاد والعباد. 
لايحتاج الأمر إلى خبراء اقتصاد للاستنتاج بالانعكاس الكارثي الذي كان سيحل بالاقتصاد التركي. فمن المعروف أن أهم وأبرز إنجازات حكم أردوغان هو النقلة النوعية التي أحدثها في الاقتصاد، ولعلّ هذا هو الذي ساعد الطيّب على الحفاظ على أغلبيته البرلمانية وتوسّع شعبية حزبه عند كل استحقاق انتخابي، سواء كان بلدياً أو نيابياً. فالشعب التركي الذي يناصر أردوغان أو يعاديه، يرفع الراية لأردوغان لناحية الانتعاش الاقتصادي الكبير الذي باتت تعيشه البلاد بفضل رؤية أردوغان الاقتصادية، ونظافة كف فريقه المساعد.
الأمر الآخر الذي سيكون بديهياً بالنسبة للانقلابيين هو خنق الإسلاميين وعودة العلمانية بوجهها القبيح المعادي للإسلام والرافض للسمت الإسلامي. فمنع الحجاب والتضييق على المحجبات والملتزمين لن يكون مستغرباً، وسيتم إقصاء جميع من تبدو عليهم أمَارات الالتزام من مؤسسات الدولة وإداراتها، كالوزارات والأجهزة الأمنية والجامعات والمدارس ووسائل الإعلام.. وربما سيتم اعتقالهم وسجنهم لارتكابهم جريمة مخالفة الطابع العلماني للدولة. وما كان يشكو منه البعض من تضييق مارسه أردوغان على الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي سيجده الأتراك جنّة أمام ما سيقوم به العسكر الذين جُبلوا على قمع من يخالفهم الرأي، والنموذج المصري ليس عنّا ببعيد.
الانعكاسات السلبية لن تقتصر على الأتراك فقط، وإن كانوا هم المعنيون مباشرة بالانقلاب. فالارتدادات ستكون كارثية على بعض الملفات المتعلقة بالسياسة الخارجية. وفي الشأن السوري ستجد قوى المعارضة الموزعة على المدن والقرى المقابلة للحدود التركية بين فكي كماشة الجيش التركي وجيش النظام السوري والمليشيات المتحالفة معه. وعلى الشعب السوري المكلوم الترحم على المساعدات التي كانت تصله عبر الحدود من تركيا. كما أن المخطط الكردي لإنشاء دولة المستقلة سيبدأ تنفيذه، ليس لأن الانقلابيين يوافقون عليه، بل لأن ضعفهم وترهل صفوفهم لن يسمح بمواجهة مخطط مماثل، إلى جانب ضعف النظام السوري وكذلك العراقي.
أما ما يتعلق بالقضية الفلسطينية فعلى أبناء قطاع غزة نسيان المساعدات التركية، والطاقة الكهربائية التي كانت تركيا ستمدهم بها، وكذلك إنشاء مصنع لتحلية المياه، وعلى المسؤولين في قوى المقاومة الفلسطينية أن يستعرضوا خريطة العالم للبحث عن موطئ قدم جديد يسمح لهم بالمكوث على أرضه.
دول كثيرة كانت تتشوق لنجاح الانقلاب وربما ساعدت عليه، فالتجربة الأردوغانية شكلت للكثيرين تحدّ من الصعب منافسته، وكشفت عوراتهم وفسادهم وتآمرهم على شعوبهم.