العدد 1535 /2-11-2022
أواب ابراهيم

تحت عنوان "أهل السُنّة: حماية الطائف مهمّة اليوم والغد" كتب الأستاذ الجامعي المعروف رضوان السيد مقالا ًفي موقع "أساس" الذي يملكه وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق المموّل إماراتياً، وهو المطرود من عباءة الرئيس سعد الحريري. يعتبر السيد في مقاله أن "التخلّي عن اتفاق الطائف هو إسقاط للدولة وللعيش المشترك، ولشرعيّات البلاد الوطنية والعربية والدولية"، ويدعو اللبنانيين عموماً والسنّة على وجه الخصوص للذود عن اتفاق الطائف. أعرف أن الدكتور رضوان السيد له صفة أكاديمية مرموقة، فله العديد من المؤلفات بالفكر الإسلامي والسياسة والتاريخ والفلسفة، لكنني حرصاً على عدم الوقوع بخطأ لجأت إلى موقع "ويكيبيديا" المعروف، كي أوثّق صفته ولا أكتب شيئاً غير دقيق، لأجد أن صفة رضوان السيد الواردة فيه أنه "كاتب ومفكر ومترجم سعودي من أصل لبناني، حصل على الجنسية السعودية عام 2021، يكتب في صحيفة الشرق الأوسط (السعودية)، ويشغل منصب عميد الدراسات العليا في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية في أبوظبي (الإماراتية)".

مشكلة معظم اللبنانيين أنهم ينساقون وراء مقولات الآخرين فيتبنونها، ويركبون موجتها، ويُشهرون سيف الدفاع عنها، دون أن يسألوا أنفسهم ما المصلحة التي تقف وراء ذلك. ورضوان السيد ليس وحيداً، بل انضم له كثر. هذا ما نشهده هذه الأيام من دقّ بعض السنّة نواقيس الحرب في مواجهة الذين لمّحوا لإمكانية البحث في تعديل اتفاق الطائف. من يرى الاستنفار والاحتقان والغضب والهيجان الذي أصاب هذا البعض يعتقد أن الطائف منح السنّة حقوقاً وامتيازات ومواقع ومراكز وحجبها عن الآخرين، في حين أن الواقع خلاف ذلك. فاتفاق الطائف عمل على إصلاح "بعض" الخلل الموجود في التركيبة السياسية اللبنانية التي كانت تهيمن عليها المارونية السياسية. وكرّس شيء من المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في بعض المواقع، وحاذر الاقتراب من امتيازات ومواقع المسيحيين الموارنة، كرئاسة الجمهورية (رأس الدولة)، وقيادة الجيش (العسكر)، وحاكمية المصرف المركزي (المال)، ورئاسة مجلس القضاء الأعلى (القضاء). ربما سحب اتفاق الطائف بعض الصلاحيات التي كانت ممنوحة للمسيحيين لكنه لم يعطها للمسلمين السنّة. هو سحب بعض صلاحيات رئيس الجمهورية (الماروني)، كتسمية رئيس الوزراء، وتشكيل الحكومة، وإقالتها، لكنه لم يعطِ هذه الصلاحيات لشخص أو طائفة، بل أعطى جزءاً منها لمجلس الوزراء مجتمعاً وهو مؤلف من كل الطوائف (مسلمين ومسيحيين)، والجزء الآخر أعُطي لمجلس النواب، وهو أيضاً مؤلف من مسلمين ومسيحيين.

ربما تكون المطالبة بتعديل اتفاق الطائف محقة. فالوضع الديمغرافي الذي بُنيت على أساسه التركيبة السياسية عام 1989 اختلفت الآن. والمناصفة التي كان يعتبرها البعض عادلة حينها، ربما أصبحت مجحفة بحق شريحة واسعة من اللبنانيين. والمثالثة التي يحذر منها البعض بغباء، هي حتماً أكثر عدالة وتقترب من الواقع أكثر من المناصفة القائمة حالياً.

وإذا كان بعض المسيحيين يطالبون بتعديل اتفاق الطائف لأنه لايحدد مهلة زمنية لرئيس الحكومة المكلف (السنّي) حتى يشكل حكومته، فيجب أن يطالب بعض المسلمين تعديل الاتفاق لأنه لا يضع سقفاً زمنياً لانتخاب رئيس الجمهورية (الماروني). لا أن يضيع من عمر لبنان واللبنانيين سنتان ونصف فقط بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية حتى تمّ انتخاب ميشال عون.

اتفاق الطائف ليس قرآناً، هو دستور جيء به على عجل لإنهاء حرب أهلية. والدساتير تُعدّل وفق المصلحة وبعد انكشاف نواقصه. وإذا كانت دولة شقيقة تعتبر نفسها معنية بالحفاظ على اتفاق الطائف لأنها كانت عرّابته، فلتتولّ بنفسها معركة الدفاع عنه ومنع المساس به. أما اللبنانيين الذين يُشهرون سيوفهم ذوداً عن الطائف، فحريّ بهم تأمين قوت عيالهم، وأقساطهم المدرسية، وجمع قيمة اشتراك المولد الكهربائي.

أوّاب إبراهيم