العدد 1370 / 17-7-2019
أواب ابراهيم

افتعل وزير العمل التابع للقوات اللبنانية حملة عنصرية موازية استهدفت هذه المرة اللاجئين الفلسطينيين. فقد أصدر قراراً يشمل العامل الفلسطيني بالعمالة الأجنبية التي تتطلب الحصول على إجازة عمل قبل مزاولة أي مهنة. علماً أن اللاجئ الفلسطيني في لبنان محروم منذ عقود من مزاولة عشرات المهن بذريعة مواجهة التوطين(!!).

بعيداً عن الخلفيات البريئة والدوافع الإيجابية والمبررات المصلحية التي يقدمها وزير العمل، لكن الواضح هو أن قراره اتخذ أبعاداً أخرى تجاوزت تنظيم العمالة، إلى أبعاد أخرى خطيرة، استعادت محطات أليمة من الحرب الأهلية، التي كان لمنظمة التحرير الفلسطينية دور فيها، بدايتها. ما ساهم في اتخاذ هذه الأبعاد، ردة فعل عاطفية وتلقائية يعبّر عنها الجانب الفلسطيني رفضاً للقرار.

ما يجب أن يدركه اللاجئون الفلسطينون في لبنان، أن الأوضاع المزرية التي يعانون منها، يتشاركون فيها مع بقية اللبنانيين، وهذا أمر يدركه الفلسطينيون جيداً. فالبطالة واهتراء البنى التحتية وانقطاع الكهرباء والتلوث والنفايات والأزمة الاقتصادية وغيرها الكثير، كلها أزمات يعاني منها الفلسطينيون كما اللبنانيين. لذلك فإن الاحتقان والغضب الذي يملأ قلوب الفلسطينيين يملأ قلوب اللبنانيين أكثر منهم، وليس مفيداً الإيحاء بأن معاناة اللاجئين الفلسطينيين منفصلة عن معاناة اللبنانيين.

ما يجب أن يدركه اللاجئون الفلسطينيون كذلك، لاسيما القيادات الفلسطينية والفصائل والجمعيات التي يفترض أنها تتحلى بالحكمة، أن مواجهة قرار وزارة العمل لاتكون بتحريك الشارع وتهييجه، والدعوة لقطع الطرقات وإحراق الإطارات المشتعلة ورشق القوى الأمنية اللبنانية بالحجارة. فحين يتحرك الشارع لا أحد يملك الإمساك به، والراغبون بإشعال فتنة بين الفلسطينيين والدولة اللبنانية كثر، ولا تنفع حينها دعوات التعقل والهدوء.

ما يجب أن يدركه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان أن المجتمع الذي يعيش حولهم وبينهم هو المجتمع الذي يرحّب بهم ويعتبرهم أهله وإخوانه، وهو الذي يتعاطف معهم ويتضامن مع مظلوميتهم، و هو مستعد أن يقف إلى جانبهم في مواجهة قرار وزير العمل، وكل قرار آخر يؤدي إلى ظلمهم والمساس بكراماتهم , لذلك عليهم أن يفهموا بأن أي خطوة يقدمون عليها ينبغي ان تكون بوصلتها واضحة تجاه الجهة التي أساءت إليهم وتضيّق عليهم، وأنها لن تؤذي إخوانهم اللبنانيين.

لكن في المقابل على اللاجئين الفلسطينيين أن يتذكروا أنهم لايعيشون في بيئة حاضنة، وأن شريحة واسعة من اللبنانيين لايرحبون بهم، ويكنّون لهم الكراهية والعداء، سواء أظهروا ذلك أو أسروه. ووصلت كراهية هذه الشريحة حدّ التحالف مع "إسرائيل" للتخلص منهم، وهم يعتبرون أن العدو الصهيوني أقرب إليهم من إخوانهم الفلسطينيين.

ما يجب أن يدركه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان ومعهم قياداتهم أنهم الطرف الأضعف في أي معركة قد يخوضونها مع الدولة أو مع المجتمع اللبناني. فالأجواء المحيطة بهم ليست إيجابية، والسلطة اللبنانية وأجهزتها الأمنية حتماً ليست متعاطفة معهم، وربما ينتظرون "دعسة ناقصة" من الفلسطينيين تبرّر الانقضاض عليهم، لذلك عليهم الحذر جيداً والتنبّه لكل خطوة يقومون بها.

ما يجب أن يدركه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان أن تعاطف كثيرين من اللبنانيين معهم لا يعود لأنهم فلسطينيون فقط، بل لأنهم إخوة لهم في الإنسانية وفي الدين وفي العروبة وفي التاريخ وفي الجغرافيا. هؤلاء اللبنانيون مستعدون للوقوف في وجه لبنانيين آخرين لرد الظلم والقهر عنهم. لذلك ليس مفيداً أبداً الإصرار على التصنيف والتمييز بين لبنانيين وفلسطينيين. وإذا كان بعض اللبنانيين مصابون بمرض جيني يقوم على العنصرية والتكبّر والفخر اللبناني الزائف، فإن كثير من اللبنانيين سلّمهم الله من هذا المرض ويمقتون المصابوين به. وعلى الفلسطينيين أن يدركوا أن تمسكهم بأرضهم المسلوبة وإصرارهم على العودة إليها، لايجب أن يؤدي بهم للإصابة بالمرض الجيني نفسه , لكن من الضفة الفلسطينية.

أوّاب إبراهيم