العدد 1481 /6-10-2021

خلال لقاء تناقلته وسائل الإعلام، لفت رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين أن "الأميركان يؤثّرون في لبنان، وهم أقوياء في الدولة اللبنانية، ولديهم الكثير داخلها"، مضيفاً: "حتى الآن لم نخض معركة إخراج الولايات المتحدة الأميركية من أجهزة الدولة، ولكن إذا جاء اليوم المناسب وخضنا هذه المعركة، فسيشاهد اللبنانيون شيئاً آخر".

لم تنل تصريحات القيادي في حزب الله الاهتمام الذي تستحقها رغم خطورة دلالاتها. كلام صفي وان كان ارتجالياً إلا أنه ليس بريئاً، فهو أراد تحضير أرضية لمعركة جديدة ينوي حزب الله فتحها في الداخل، عنوانها "إخراج الأمريكان من أجهزة الدولة". ليست المرة الأولى التي يمهد فيها حزب الله لمشاريعه الكبرى بكلام عرضي، فقد شهد اللبنانيون أداء مشابهاً في ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قبل سنوات، وكذلك في ملف استيراد سفن المحروقات الإيرانية مؤخراً، وفي ملفات أخرى كثيرة. فهو يحرص في خطابات وتصريحات مسؤوليه على تمرير أفكار ثانوية ستكون قضايا أساسية في مراحل لاحقة.

السياق العام لكلام صفي الدين مفهوم لجميع اللبنانيين، فهو يأتي استكمالاً لتصريحات أدلى بها أمين عام حزب الله لمّح فيها لدور أميركي في ملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، متهماً المحقق العدلي بالتسييس وغامزاً من ضرورة تغييره. هذه الغمزة ترجمها مسؤول الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا برسالة تهديد مباشرة للمحقق العدلي انعكست قراراً من النيابة العامة بكف يد القاضي بيطار عن ملف المرفأ. لكن ما كل ما يتمنى وفيق صفا يدركه، فالمفاجأة كانت أن محكمة الاستئناف التي تملك سلطة البت بقرارات النيابة العامة أبطلت قرار "كف اليد" وأعادت ملف التحقيق للقاضي بيطار مجدداً. بناء على ما سبق يعتبر السيد صفي الدين، القاضي بيطار من ضمن الذين زرعتهم الولايات المتحدة في أجهزة الدولة ويجب إخراجهم منها، علماً أن تعيين المحقق العدلي لم يتم بقرار من البيت الأبيض ولا من البنتاغون ولا من السفارة الأميركية في عوكر، بل بناء على اقتراح وزيرة العدل القريبة من رئيس الجمهورية حليف حزب الله، واختيار القاضي بيطار تمّ بعد استبعاد القاضي صوّان الذي نجحت السلطة السياسية بكفّ يده عن ملف انفجار المرفأ بدعوى "ارتياب المشروع"، الأمر الذي لم ينجح مع القاضي بيطار.

المريب في اهتمام حزب الله بالتحقيق في انفجار المرفأ والتشكيك بالمحقق العدلي، هو أن أحداً لم يُشر للحزب أو لأحد أفراده بالمسؤولية المباشرة أو غير المباشرة عن الانفجار، فلماذا يهتم الحزب بهذا الملف ويشكك بمن يحقق فيه؟. فإما أن معلومات وصلت لقيادة الحزب بأن المحقق العدلي سيوجه اتهامات لمسؤولين في الحزب أسوة بالنواب والوزراء وقادة الأجهزة الأمنية، ويريد الحزب استباق الاتهامات بتهشيم صورة المحقق العدلي والتحقيق الذي يقوده من خلال اتهامه بالتسييس وتنفيذ أجندات خارجية, وهو ما فعله تماماً في ملف المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، فحين صدر القرار الظني عن المحكمة كان الحزب قد أشبع جمهوره والعالم كلاماً عن تسييس المحكمة واستخدامها أداء لمحاصرة الحزب والتضييق عليه، وبالتالي فإنه سيعتبر المحكمة الدولية وكأنها "لم تكن"، وإما أن معلومات وصلت للحزب مفادها أن الولايات المتحدة فعلاً ستستخدم التحقيق في تفجير المرفأ لفرض المزيد من التضييق على الحزب. في الحالتين، مهما بلغ فائض القوة لدى الحزب يجب أن يدرك أنه لايمكن إدارة جميع الأمور بمنطق الفرض والتهديد والاتهام وتهشيم الخصوم. فملف انفجار المرفأ أخذ بعداً وطنياً وهو يمس عوائل أكثر من مئتي شهيد وآلاف الجرحى ومئات آلاف المتضررين. فإذا كان الحزب يشعر بوجود مخطط خفي وراء التحقيقات في الانفجار، لايكون الحل بتعطيل التحقيق وتهشيم صورة المحقق واتهامه بتنفيذ أجندة "الأمريكان".

أوّاب إبراهيم