العدد 1485 /3-11-2021

جميع الطوائف اللبنانية على اختلاف أحجامها لا يوجد طرف واحد أو زعيم واحد يدّعي احتكار تمثيلها. عند الموارنة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والمردة والكتائب وآخرين، الشيعة حركة أمل وحزب الله، الدروز المصنّفون لبنانياً من الطوائف الصغيرة لدينا وليد جنبلاط وطلال أرسلان والآن دخل على الخط وئام وهاب، حتى الأرمن الذين يعتبرهم البعض من الأقليات، لديهم حزب الطشناق وحزب الرمغفار، اللهم إلا المسلمين السنّة ليس لهم ممثل إلا تيار المستقبل، ولا زعيم لهم وناطقاً باسمهم إلا سعد الحريري، ولا يجلس على الكرسي المخصص لهم إلا سعد الحريري أو من يقبل به.

طوال السنوات الخمسة عشر التي كان الحريري خلالها شريكاً أساسياً في السلطة، كانت تأتيه وفود من أحزاب وجمعيات وعلماء وشخصيات تناشده "ترتيب البيت السنّي"، لمواجهة تغوّل الطوائف الأخرى واعتدائها المتواصل على امتيازات وصلاحيات الطائفة السنية ومحاولة تهميشها. لكن الحريري كان لايجد نفسه مضطراً لمشاركة آخرين إدارة شؤون الطائفة، فاستمر البيت السني بتشرذمه، واستمر الحريري بلامبالاته بمشاركة الآخرين.

في محطات سابقة قاوم الحريري بشراسة -على خلاف سَمته وطبعه- في سبيل تثبيت احتكار تمثيل المسلمين السنّة ومنع المساس به. القوى السياسية من الطوائف الأخرى لم يزعجها الأمر، بل لعلّها دعمت استمراره، خاصة أن شخصية الحريري البراغماتية التفاوضية التسووية كانت مثالية للتعامل معها والتوصل إلى اتفاقات وتسويات وعقد صفقات أياً كانت حدّة الخلافات. شذّ عن ذلك حزب الله مرة واحدة ولم يكرر الأمر، حين اشترط على الحريري توزير أحد أفراد ما أطلق عليه اسم "اللقاء التشاوري" الذي يضم عدداً من النواب السنّة الذين يدورون في فلك الحزب. بخلاف ما جرت عليه العادة، ضرب الحريري قدمه بالأرض ورفض مطلب حزب الله الذي عادة لايتنازل عن مطالبه، لكن الحزب خضع في النهاية لرغبة الحريري باستمرار احتكار تمثيل الطائفة ولم يأتِ على ذكر اللقاء التشاوري مرة أخرى.

مناسبة الحديث عن كل ما سبق، هو ما تمّ تسريبه خلال الأيام الماضية، ويتمّ التداول به في بعض "الصالونات السياسية"، من أن سعد الحريري وتياره قد يعزف عن خوض الانتخابات النيابية، وبالتالي خروجه من الحياة السياسية. بالمبدأ قرار الحريري إذا صحّ فإنه يكون نتيجة منطقية لسلسلة الخيبات والنكسات التي مُني بها خلال السنوات الماضية، لكن قراراً كهذا لن تكون انعكاساته على الحريري وتياره فقط، بل على الطائفة السنية التي انفرد الحريري بتمثيلها طوال أكثر من 15 سنة. فمن الذي سيملأ الفراغ الذي سيتركه الحريري إذا ما خرج من المشهد السياسي، وما هي البدائل المطروحة لملئ هذا الفراغ، خاصة أن الحريري حرص خلال وجوده في السلطة على سحق أي بديل أو شريك محتمل له، وكان يعمل على تهميش والتضييق على كل الأطراف والقوى المؤهلة لتشكل ثنائية معه أو بديلاً عنه. وهو لم يكتفِ بتهميش وإبعاد كل من لا يدور في فلكه، لكنه عمل أيضاً على السيطرة على قرارات مؤسسات الطائفة كدار الفتوى والمجلس الشرعي الأعلى، من خلال هيمنته على هيئاتها الناخبة، وانتخاب وتعيين كل من يدين له بالولاء. وكان واضحاً أن هذا الأداء لم يكن رغبة الحريري فقط، بل القوى الخارجية التي يُفترض أنها راعية وحاضنة للمسلمين السنّة في لبنان، الذين ساهموا في تجويع وإفقار والتضييق على كل من لايسبح بحمدهم والتهليل لهم والتصفيق لطويل العمر.

سواء صحّ خبر اعتزال الحريري الحياة السياسية أم لا، المؤكد هو أن المسلمين السنّة في لبنان يعيشون حالة من انعدام الوزن والضعف والهزال، وستشهد الساحة الإسلامية في المرحلة المقبلة فراغاً مغرياً للأطراف الأخرى الداخلية والخارجية لاختراق هذه الساحة والعبث بها والإساءة إليها واستخدامها.

لكم الله يا سنّة لبنان.

أوّاب إبراهيم