العدد 1502 /2-3-2022

على هامش متابعة العالم للأحداث الدائرة في أوكرانيا، طفت على السطح عنصرية مقيتة كانت مخبّأة في نفوس كثيرين في الغرب، كشفت عنها الحرب القائمة. فالعديد من السياسيين والإعلاميين والمشاهير الأوروبيين اعتبروا أن المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها الشعب الأوكراني ونزوحه من أرضه يجب التعامل معها بشكل مختلف عمّا تمّ التعامل به مع الشعب السوري أو الإفريقي أو الأفغاني الذين كانوا يصلون إلى الحدود الأوروبية. فالأوكرانيون -حسب هؤلاء- متعلمون مثقفون شعرهم أشقر وعيونهم زرقاء، وبالتالي يجب مساعدتهم وتقديم العون لهم، بخلاف طريقة التعامل مع السوريين والعراقيين والأفغان والإفريقيين الذين كانت تتقاذفهم الحدود، وعوملوا بطريقة لا تمتّ للإنسانية بصلة من حكومات تدّعي أنها أمّ الإنسانية والأخلاق. هذا الكلام العنصري البغيض قوبل بغضب كبير انعكس في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. فاستهجن الغاضبون العنصرية التي عبّر عنها الأوروبيون تجاه الشعوب الأخرى.

بالتزامن مع الغضب من العنصرية التي عبّر عنها بعض الأوروبيين، توفي في لبنان 7 سجناء خلال شهر واحد فقط، 6 منهم في سجن رومية. آخرهم مواطن لبناني اسمه غسان صليبي توفي أثناء إجرائه عملية جراحية في القلب تأخر إجراؤها 4 شهور لعدم تأمين كلفتها البالغة 7500$. خلال هذه الأشهر كان صليبي يناشد كل من يعرف ومن لايعرف للمساعدة في تأمين كلفة عمليته الجراحية، عانى خلالها -حسب رسالة نصية أرسلها لمعارفه- من آلام حادة وضيق في التنفس ونقص في الحديد وتراجع في البوتاسيوم. 4 أشهر انتظر صليبي جمع 7500$ لإنقاذ حياته، مبلغ يشكل كلفة رحلة سياحية يقوم بها ثري وعائلته إلى أوروبا، أو أجرة إعلان تلفزيوني لمرشح للانتخابات المقبلة، أو حتى مساعدة غذائية يقدمها مسؤول سياسي لمناصريه. أُنهك قلب صليبي ولم يستطع الانتظار أكثر فتوفي.

المتوفون الآخرون لم يكن وضعهم أفضل حالاً. ثلاثة منهم توفوا بسبب عدم القدرة على دفع تكاليف عملية جراحية كانوا يحتاجونها، أما الرابع فعجزه عن تأمين الأدوية اللازمة لعلاج مرضه أدى للوفاة، الخامس توفي بعد معاناة مع مرض السلّ، أما السادس فأصابته جرثومة لانعدام النظافة والتعقيم والماء الملوث فتوفي.

وفاة المساجين السبعة في مراكز توقيفهم معظم اللبنانيين لم يسمعوا به، ومن سمع لم يهتم، ومن اهتم لم يتحرك. فكما الشعوب الأوروبية التي تنظر بفوقية وعنصرية تجاه الشعوب التي لا تشاركها ثقافتها وجيناتها الشقراء، أيضاً الشعب اللبناني ينظر بفوقية وعنصرية تجاه السجناء، فلا يهتم بمعاناتهم ولا يبذل أي جهد للتخفيف عنهم.

فلامبالاة السلطة في لبنان بتحسين ظروف السجون أمر اعتاد عليه السجناء، لكن لأن تصل اللامبالاة إلى اللبنانيين أنفسهم، فلا يجدون أنفسهم معنيون بأحوال السجناء، أو الاهتمام بأوضاعهم، أو السعي لتحسين ظروفهم، فهذا أمر يعكس عنصرية لا تقل عن عنصرية بعض الأوروبيين الذين فرّقوا بين مأساة الأوكرانيين والسوريين.

الأوضاع المزرية التي يعاني منها السجناء والموقوفون في السجون ومراكز التوقيف في لبنان ليست جديدة. فالاكتظاظ الكبير الذي تعاني منها هذه السجون، وتراجع العناية الطبية وعدم الاهتمام بالنظافة والتعقيم وتأمين مياه نظيفة للسجناء، أمور لطالما علت صرخات السجناء مطالبين بمعالجتها وإيجاد حلّ لها دون من يجيب، لكن الواضح أن الجديد بأن هذه الأوضاع ازدادت سوءاً في الآونة الأخيرة، في ظل عجز إدارة السجون وذوي السجناء عن تحمل تأمين الأدوية وكلفة العمليات الجراحية، بسبب الانهيار الاقتصادي الحاصل. الواضح أكثر، أن لامبالاة السلطة تجاه أوضاع السجون تعود لإدراكها بعدم مبالاة اللبنانيين بما يجري وراء جدران هذه السجون من مآسي، لذلك لا تجد نفسها معنية بمعالجتها.

أوّاب إبراهيم