العدد 1460 /5-5-2021

يتشائم بعض اللبنانيين حول مستقبل الأوضاع في البلاد، فيشبّهونه بما حصل في البرازيل أو اليونان أو فنزويلا أو غيرها من البلدان التي أعلنت إفلاسها وانهيارها النقدي. بينما الواقع هو أن الأوضاع في لبنان إذا لم يطرأ عليها جديد ستكون أسوأ مما حصل في اليونان والبرازيل وفنزويلا، ليس لأن الأوضاع النقدية أسوأ من هذه الدول، بل لأن من أوصل لبنان للانهيار والإفلاس يواصل فساده وسرقته ونهبه.

منشأ الأزمة في لبنان هي طبقة سياسية طائفية تتحكم برقاب اللبنانيين برضاهم، ترفض الفكاك عنهم والرحيل عن كراسيهم. زعماء طوائف يواصلون ما يقومون به دون خجل، ولِمَ الخجل طالما أن جمهورهم يصفّق لهم ويهلّل ويدعو لهم بطول العمر. طبقة فكّكت أوصال الدولة ومؤسساتها، زرعت رجالها ومناصريها في إداراتها، فأنهكت خزينة الدولة بآلاف الموظفين يقبضون ولا يعملون إلا مصلحة زعمائهم الذين عيّنوهم في مواقعهم. المشكلة الأساسية تكمن في أن غالبية اللبنانيين رغم كل ما مرّ بهم من خداع وكذب خلال العقود الماضية، إلا أنهم ماضون في منح الثقة لزعمائهم ومازالوا يهتفون بحياتهم ويفدونهم بأرواحهم.

فلنغضّ الطرف عن كل السرقات والفضائح والفساد والجرائم التي ارتكبتها السلطة خلال عقود خلت، ولنركز فقط على الملفات التي تكشفت خلال الأشهر الماضية فقط.

تسعة أشهر مرت على انفجار مرفأ بيروت تسبّب بمقتل المئات وجرح الآلاف وتدمير الواجهة البحرية للعاصمة. تسعة أشهر مرت ومازال التحقيق يراوح مكانه، وكل طرف تنكشف معرفته بوجود المواد المتفجرة في المرفأ ولم يحرك ساكناً، يرمي عن كاهله المسؤولية ويزعم أنها ليست ضمن صلاحياته. تسعة أشهر ينتظر ذوو الضحايا أن يعرفوا المسؤولين عن موت أحبائهم، تسعة أشهر وشركات التأمين لم تدفع للمتضررين خسائرهم بسبب عجز السلطة عن توجيه أصابع الاتهام للجهة -أو الجهات- المسؤولة بالضلوع أو بالإهمال عن انفجار المرفأ بيروت. أغلبية اللبنانيين يلومون الدولة بأجهزتها القضائية والأمنية على إهمالها وتقصيرها، لكنهم يبرّؤون زعماءهم من أي مسؤولية.

منذ الانهيار الاقتصادي والارتفاع الجنوني لسعر صرف الليرة، يؤكد المحللون الاقتصاديون والمصرفيون بأن مجموعة من الأشخاص استبقوا الانهيار وساهموا فيه من خلال تهريب مليارات الدولارات إلى خارج لبنان. عمل يُمكن ضبطه وكشفه والإعلان عن نتيجته بمراجعة بسيطة في حسابات المصارف ومصرف لبنان الذي يُشرف عليها. لكن هوية هؤلاء الأشخاص بقيت طيّ الكتمان، كما حجم الأموال التي قاموا بتحويلها، يتشارك في التغطية عليهم وإخفاء هوياتهم سلطة تختلف على كل شيء إلا بالتغطية عن المجرمين. أكثر من ذلك، فشل السلطة امتدّ ليصل للعجز عن ضبط التخبّط الحاصل في سعر صرف الدولار، ومعرفة الجهات التي تقف وراء إدارة مواقع إلكترونية تتولى مسؤولية إدارة السوق النقدي وتحديد سعر صرف الدولار في السوق السوداء.

جرائم قتل واغتيال شهدتها أكثر من منطقة، من لقمان سليم في الجنوب، إلى جو بجّاني في الكحالة، عدا عن جرائم جنائية كثيرة. الأجهزة الأمنية طوت ملفاتهم ربما لأنها عجزت عن التوصل لمعرفة هوية الجناة، أو لأنها تخشى أن تعرف هوية الجناة. الأجهزة الأمنية العاجزة نفسها، تتصرف بحرفية لمعرفة هوية أي شخص قام بنشر تعليق أو كتب تغريدة مسيئة لأحد الزعامات السياسية فتقوم باستدعائه للتحقيق.

قبل أيام امتنعت المملكة العربية السعودية عن استقبال الخضراوات اللبنانية بعد ضبط شحنة من الحبوب المخدرة مخبأة بين الخضراوات. الأجهزة الأمنية اضطرت مكرهة للتحرك فضبطت عدداً من شبكات تصنيع وتهريب المخدرات كانت تعلم بشأنها، ومن بينها الشبكة المسؤولة عن الشحنة المهربة للسعودية. ولولا الموقف السعودي ربما لما وجدت الأجهزة نفسها معنية بالتحرك. وقد تبين أن مسار الشحنة المهرّبة شارك في تسهيل مرورها وزراء ومدراء عامون وموظفون ومسؤولون، لم يسائلهم أحد.

قبل أيام كذلك انكشفت عملية تهريب مواشي مدعومة عبر مطار بيروت إلى الخارج. بالصدفة علمت الأجهزة الرقابية بالشحنة فتم ضبطها وإحالتها للقضاء، ليتبيّن ضلوع وزراء ومدراء ومسؤولين بتسهيل تهريب هذه المواشي المعدّة للاستهلاك الداخلي، مرة أخرى لم يُلاحق أحد وتمّت لفلفة القضية.

ملفات ليست معقدة، ولا تحتاج "جيمس بوند" لحلها، بل تحتاج لرغبة وإرادة لدى هذه السلطة على الإصلاح، لكن من الواضح أن هذه الرغبة لا مكان لها. لكن إذا كانت السلطة فاسدة، فالمسؤولية لا تكون على عاتقها، بل على عاتق المصفقين والمهلّلين الذين يصرّون على تكرار أخطائهم باختيار أشخاص يواصلون نهبهم وسرقة أرزاقهم وأرواحهم ويرفضون تحمّل مسؤولية ما يرتكبون.

أوّاب إبراهيم