العدد 1515 /8-6-2022

بعد أسابيع من انتهاء الانتخابات النيابية والنتائج التي أفضت إليها، يتابع الكثير من اللبنانيين التصفيات النهائية لبطولة لبنان بكرة السلة. الفريقان اللذان وصلا إلى النهائيات ويتنافسان لحمل كأس البطولة هما النادي الرياضي ونادي بيروت.

من حيث الشكل لا علاقة مباشرة تربط بين نتائج الانتخابات النيابية وبطولة كرة السلة، لكن الحماسة الكبيرة غير المسبوقة لجمهور النادي الرياضي بتشجيع فريقهم، سواء داخل الملعب أو من وراء الشاشات، تشي بأن هذه الحماسة لا تتعلق فقط بتشجيع ناد رياضي والتصفيق للنقاط التي يحرزها اللاعبون، بل هناك أكثر ما هو أبعد من ذلك. فالفراغ الذي تعاني منه الطائفة السنية، وجد بالنجاحات التي يحققها النادي الرياضي وسيلة للتنفيس عن الغضب والإحباط الذي يشعرون به. فالنادي الرياضي تاريخياً يمثل المسلمين السنّة، وتحديداً أبناء بيروت. فلطالما رعاه ودعمه الرئيس الأسبق رفيق الحريري ومن بعده سعد، وتربط النادي علاقة وثيقة بجمعية المقاصد، إحدى أبرز الجمعيات الإسلامية البيروتية، كما يقع مركز النادي في منطقة المنارة، وملعبه الرئيسي أُطلق عليه اسم ملعب الرئيس صائب سلام. هذا لايعني أن لاعبي النادي أو مدربه أو إدارييه يجب أن يكونوا مسلمون سنّة. فأبرز نجوم النادي مسيحيون، ومدربه مسيحي، وبعض إدارييه أيضاً مسيحيون، لكن هذا الواقع لايؤثر مطلقاً على تصنيف النادي وتمثيله لأبناء بيروت السنّة. فحتى ولو كان جميع لاعبي النادي الرياضي مسيحيون، ومدربه وإداريوه، سيظل محسوباً على المسلمين السنّة في لبنان، وهو ما ينطبق كذلك على بقية الأندية الرياضية، المصنّفة طائفياً، سواء في لعبة كرة السلّة أو في الألعاب الأخرى.

لذلك وجدت شريحة واسعة من أبناء بيروت السنّة بوصول النادي الرياضي إلى نهائيات بطولة لبنان لكرة السلّة وسيلة للهرب من الإحباط والضياع، الذي تجلّى في نتائج الانتخابات النيابية، بتصويت نسبة مقدّرة من أبناء بيروت لصالح شخصيات يقولون بأنهم مستقلون ويرفعون لواء التغيير. فشكلت منافسات كرة السلّة مناسبة لأبناء بيروت، مقيمين ومغتربين، ليحتشدوا في الملعب، ويتحلّقوا حول شاشات التلفزيون، لمتابعة ناديهم وهو يخوض منافسات إخراجهم من إحباطهم.

الدور نفسه سبق أن لعبه نادي الحكمة في تسعينيات القرن الماضي، حين كان الإحباط المسيحي في أوجه. العماد ميشال عون منفي في باريس بعد طرده من قصر بعبدا. قائد القوات اللبنانية سمير جعجع في السجن، وبقية الأحزاب والشخصيات المسيحية إمّا مهمّشة، وإمّا موالية للوصاية السورية. يومها بدأت الإنجازات التي حققها نادي الحكمة -الذي يمثّل المسيحيين- في منافسات كرة السلّة تشكّل تنفيساً لهذا الإحباط، وكانت المباراة التي تجمع الحكمة بالنادي الرياضي لقاء قمّة طائفي بين ناد يمثّل المسيحيين المُحبطين، وناد يمثّل المسلمين.

بعد مرور كلّ هذه السنوات، سحب نادي بيروت التمثيل المسيحي من نادي الحكمة، بعد خلافات وضعف وترهّل أصاب الأخير، فلم يعد يحقّق النتائج التي اعتاد عليها جمهوره. وانتقل عدد من إداريي ولاعبي الحكمة إلى نادي بيروت، فورث الأخير تمثيل المسيحيين، وبات لقاء القمّة الطائفي لكرة السلة يجمع ناديي الرياضي وبيروت. لكنّ الظروف تغيّرت وتبدّلت عمّا كانت عليه. فاليوم، ميشال عون رئيس للجمهورية، يرفع لواء استعادة حقوق المسيحيين، وسمير جعجع فاز بإحدى أكبر الكتل النيابية، كما أن الأحزاب والقوى المسيحية الأخرى باتت ممثلة في الحياة السياسية، سواء في السلطة أو المعارضة. في حين يواصل المسلمون السنّة إعادة ترتيب أوراقهم، والبحث عن قيادات وزعامات وأحزاب جديدة، بعد اعتكاف ممثلهم سعد الحريري عن العمل السياسي، بعد عقود كان ووالده يحرصان طوال وجودهما في السلطة على احتكار السنّة، ورفض أيّ مشاركة لهما بتمثيلهم أو التحدث باسمهم.

سواء فاز النادي الرياضي بنهائي كرة السلّة أو فشل، تبقى العبرة الأهم، بضرورة ملء الفراغ الذي تشعر به شريحة واسعة من المسلمين لاسيما من أبناء بيروت، فلا يكون الفوز بمباراة رياضية وسيلتهم الوحيدة لملء هذا الفراغ.

أوّاب إبراهيم